40
يجب علي أن أحكي كيف عرفت عنوان سكن شقيق ريكو الآن بعد مرور ما يقرب من ثلاث سنوات كاملة من تلك الليلة المرعبة.
لقد كنت أشك في وجود شقيقها في طوكيو من الأصل، ولكن إن كان ما زال في طوكيو - ولو فكرت بالمنطق الطبيعي - فليس من الصعب مطلقا تخمين ومعرفة المكان الذي يسكن فيه في نهاية طريقة معيشته تلك. ولكن مهما خمنت وتخيلت، فأنا مجرد طبيب تحليل نفسي، وأعتقد أنني على معرفة ببواطن النفس البشرية وأعماقها المظلمة، ولكنني جاهل تماما ببواطن المجتمع المظلمة وأماكنه السحيقة.
شفيت ريكو من أعراض الهيستيريا في المدة من فصل المطر حتى ذروة الصيف، فكانت تخرج مع ريوئتشي للسباحة في المسبح العام، واستعادت مظهرها الخارجي الصحي بالكامل. وأطاع ريوئتشي نصيحتي، واجتهد في استعادة مشاعر الحب الروحية الهادئة بينه وبينها، ولكنه كان حريصا على تفادي العلاقة الجسدية بقدر الإمكان (حتى وإن طلبت هي ذلك لنفاد صبرها). وبدا أن كل ذلك قد أدى إلى نتائج جيدة. ولكن لا داعي للقول إن ذلك لا يعني أن كل المشاكل قد حلت. فمن الجيد أن تنسى ريكو في حياة التقشف الجنسي الفكرة النمطية للبرود الجنسي. ولكن يجب أن يلي ذلك جعلها ترى حلم شفائها التام من مرض البرود الجنسي، ثم يصبح ذلك الحلم هو الفكرة الثابتة. ولكن من المتوقع أن تكون النتيجة هي إحباطا يوقظها من الوهم ويسقطها في هوة سحيقة إن أتيحت لها فرصة معرفة أن ريوئتشي في النهاية ليس هو الذي يشفي برودها الجنسي. ولذلك لم أكن متفائلا لدرجة تصديق أنها ستتجه للشفاء تلقائيا من خلال ذلك السلام النفسي الظاهري. ... وإن كان الوضع كذلك، فقد كان ضروريا أن أبدأ بالحركة من خلال وسيلة ما بأسرع ما يمكن.
وهكذا أثناء الصيف استمرت صداقتي مع ريوئتشي وريكو، وبالطبع لم تعترض أكيمي على ذلك. وأحيانا كنا نذهب نحن الأربعة معا إلى دار العرض السينمائية، وكانت تلك أول تجربة لي في عمل علاقة مع مريض من مرضاي على هذا النحو. وتوقفت أكيمي تماما عن الإساءة إلى ريكو بل لدرجة أنها كانت أحيانا ما تتحدث خصيصا لتصحح رأيها السابق عنها. - «كما توقعت؛ فالفتاة التي لا تنطق إلا كذبا، هي في الأصل ذات قلب ضعيف يستحق العطف. ولأنني لم يسبق لي الكذب قط، فربما أكون امرأة قوية جدا.»
كنت أتركها تقول ما تريد، وبدون الانتظار لعمل تحليل نفسي، فإن قول «لم يسبق لي الكذب قط.» هي أكبر كذبة من بين الكذب الذي يكذبه البشر.
وكنت أشعر أنني على وشك الاقتراب من نقطة تحول جديدة حتى في نطاق تخصصي العلمي أيضا. فمن المؤكد أن طريقة التحليل النفسي الوجودي سالفة الذكر، تتعرف بعمق على وجودية الإنسان، ويبدو أنها وصلت لخلق اتحاد وتكامل رائع بين الطريقة الإنسانية والطريقة العلمية. ولكن من جهة أخرى بها بعض الضعف عند استخدامها بفاعلية في الشفاء على أرض الواقع. بمعنى، أننا إن اعتمدنا على وجهة نظر الفلسفة الوجودية، عند البحث عن «الوصول إلى شمولية الحب»، فسنجد أن وجودية «الإنسان الطبيعي» لها نفس قيمة وجودية الإنسان غير الطبيعي. ويفترض ألا نستطيع وقتها أن نكون جشعين مثل فرويد؛ بوضع الإنسان الطبيعي مقياسا من جهة، ووضع ظاهرة الانتكاسة في العلاج الضروري من الجهة المقابلة؛ أي أن ذلك إفراط في التخلي عن سوء فهم مذهب البرهنة بالتجربة العلمية.
وعندما أعدت النظر بتفكير وتمعن في تطورات حالة ريكو، تأثرت جدا بأن ذروة تحليلي النفسي، كانت عندما شعرت بحتمية مجيء لحظة «الواقع» لتساعدني. وربما كان ذلك هزيمة من وجهة نظر العلم. ولكن يفقد مرضانا؛ كل على حدة، «واقعه» بطريقته الخاصة، ومن أجل استعادة ذلك الواقع، يجب عليهم الحصول بأي شكل من الأشكال على قوة مساعدة من الواقع «العاري» «والحي»، وهو ما يشبه العلاج بالصدمات الكهربائية. ويؤدي ذلك وظيفة تشبه المحفز الكيميائي، فيدمج الأشياء التي تفرقت وتشتتت عبر التحليل النفسي، ليساعدها في أن يكون لها وجود حي. ولا داعي للقول إن ثمة ضرورة للتحليل النفسي الصارم على قاعدة من ذلك الاندماج القاسي. ولكن المشكلة الحقيقية أننا داخل غرفة التحليل النفسي يمكننا إجراء أي نوع من التحليل، ولكن لا بد من انتظار ظهور الواقع الذي لا يعرف متى يظهر، حتى نستطيع بذل كل جهودنا الأخيرة في العلاج. ... وعلى أي حال، ففي صباح يوم حار رطب من شهر سبتمبر، جاء إلى العيادة اتصال هاتفي مفاجئ من ريكو. - «صباح الخير. أنا ريكو.» - «أهلا، كيف حالك ؟» - «بخير ... دكتور ، هل شاهدت البرنامج الوثائقي الذي عرض ليلة أمس من الساعة العاشرة وخمس دقائق على قناة (
MFK ) التلفزيونية؟» - «لا.» - «لقد كنت أريد الاتصال بك مباشرة بعد أن شاهدته، ولكني راعيت أن الوقت قد تأخر في الليل فامتنعت عن الاتصال، وها أنا أتصل بك في الصباح الباكر. عنوان البرنامج اسمه «بيئة صن يا»، ويتابع البرنامج تقريرا حول الضجة التي حدثت في منطقة «صن يا».» - «أوه، أنت تشاهدين أشياء غريبة جدا.» - «إن ذلك البرنامج الأسبوعي له سمعة جيدة؛ لأنه يعرض مواد لا يمكن رؤيتها في مكان آخر. ألا تعرفه يا دكتور؟» - «نعم، لم أكن أعرفه.» - «وبفضل هذا اكتشفت أخيرا مكان وجود شقيقي.» - «ماذا؟!» - «ظهرت صورته مكبرة للحظة على الشاشة، لحظة الحديث مع الذين هاجموا نقطة الشرطة. من المؤكد أنه هو. من المستحيل أن أخطئ في معرفته. لقد رأيته بأم عيني. الأمر لا يحتمل الخطأ مطلقا. أخيرا عثرت على مكانه يا دكتور. أنت أيضا يا دكتور كنت تبحث عنه، أليس كذلك.»
41
صفحه نامشخص