هل ينتقدني أحد يا دكتور لأنني أصبحت كالأرملة، فأشعر بالاعتذار تجاه خطيبي الذي مات وبقيت أنا بكامل صحتي؟ كنت غارقة في حالة من الحزن لموت خطيبي، لدرجة أنني عندما أنظر إلى السماء الزرقاء المتألقة ، أرى فيها صورة لعلامة حداد عملاقة، ولكنني في نفس الوقت كنت أفكر؛ أليست تلك الحالة الغريبة من انتعاش المشاعر، هي السعادة الحقة؟ فبعد أن سمعت الموسيقى التي كنت أتلهف إلى سماعها، تلك المتعة الجنسية التي كان ريوئتشي يطاردها بعصبية، على العكس شعرت أن السعادة ذاتها من البداية شيء فارغ بلا معني، لو زارتني سعادة الإيمان النقية هذه التي لا تحتاج شيئا. ولكن على أي حال، أحمل الآن مشاعر شكر وامتنان تجاه ذلك الخطيب الذي كنت أكرهه كراهية شديدة. وكانت تلك مشاعر لم أشعر بمثلها من قبل تجاه أي رجل. آه، أعتذر لك، بالطبع باستثنائك أنت يا دكتور شيومي!
مع أن الجو ما زال به رياح غربية تجعل البشرة تقشعر من البرودة، إلا أنه ثمة مسبح يمتلئ عن آخره بماء نظيف أسفل الدرجات الحجرية. كنت مخطئة في حساباتي أنني إذا نزلت إلى المسبح سأستطيع الانفراد بنفسي وأكون وحيدة؛ خاصة أننا لسنا في فصل الصيف، فعندما نزلت وجدت حول المسبح صخبا وضوضاء. عروسان حديثا الزواج يتبادلان التقاط الصور، وعائلات تصور أطفالها، وهؤلاء الأطفال لا يهدأ لهم بال، فيجرون حول المسبح بنشاط. وبينهم زوجان وزوجتان شباب، معهم أطفال، وبدا لي أن الرجلين يتحدثان معا بوجه جاد في شيء ما، ولكنهما كانا يلعبان النرد فوق الأرض الخرسانية. وعندها قال أحدهما: «اللعنة! لقد هزمت.»
ثم خلع ملابسه بسلاسة، وكان يلبس تحتها زي السباحة، وقفز بكل طاقته في حمام السباحة البارد جدا، مما جعلني أصعق من الدهشة. وقفز من كان بجانبه ليتجنبوا رذاذ الماء المتطاير وهم يضحكون. أما أنا فكنت أشعر بالغيرة من هؤلاء البسطاء الذين لا علاقة لهم بالتحليل النفسي إلى الأبد. ثم من جهة أخرى، بدأت أشعر داخلي بمشاعر احتقار لا يمكن وصفها تجاه الزوجين والزوجتين الذين جاءوا إلى هذا المكان للهو مع أطفالهم في منتهى السعادة.
تجنبت هؤلاء الناس وخرجت من باب خيزران في طرف حمام السباحة يؤدي إلى طريق يهبط إلى البحر. ومع وصفي له بطريق إلا أنه كان مجرد امتداد يظهر ثم يختفي بين الحشائش والأشجار لسكة جانبية متعرجة شديدة الخطورة، ومائلة ميلا شديدا، وربما تنزلق فوقها الأقدام لو كنا في فصل المطر. ولحسن حظي لم يأت أحد ورائي، ففكرت في الذهاب حتى البحر للاستمتاع بالوحدة، ثم تأملت البحر بعد أن نزلت إلى منتصف المسافة.
كان ذلك خليجا يمتد بعمق جهة الغرب، وكانت الرياح الغربية تقلب الأمواج وتعيدها، لتنهار كل الجهود التي تبذلها الأمواج في محاولتها الاقتراب بعمق من الخليج. وأشعة شمس الظهيرة تتألق براقة على كامل سطح الماء.
وعندها شاهدت طائرا يشبه طائر غاق أسود فوق طرف صخرة كبيرة تبرز من الخليج. كان طائرا بالغ الضخامة، شديد السواد، أحسست بالنفور؛ لأنه لا يطير مطلقا. وأخيرا انتبهت إلى أن عيني خدعتا من أشعة الشمس التي تنعكس براقة من سطح البحر، وأنه بدون أي شك إنسان جاثم. وعندما فكرت في ذلك كان بالفعل إنسانا يلبس بنطالا أسود وسترة سوداء، وياقة القميص البيضاء عبارة عن خط واحد، فقط، أبيض يحيط بعنقه ... وتذكرت ذلك الفتى الوحيد الذي رأيته ليلة أمس في بهو الفندق، وعرفت أنه هو ذلك الشخص بلا شك. ثم أحسست نوعا ما أنني أرى في مظهره هذا انعكاسا لنفسي، فانعدمت رغبة الذهاب إلى ذلك المكان، وأسرعت بالرجوع من حيث أتيت، واخترقت الضوضاء المستمرة حول المسبح بلا تغير، وعدت إلى غرفتي في الفندق.
وطوال ذلك اليوم لم تفارق قلبي صورة ذلك الشاب الرابض على طرف الصخرة مهما فعلت. من المحال أن يكون الإنسان الذي يتأمل البحر في ذلك المكان هكذا سعيدا. ومع أن المكان كان بعيدا وتصعب رؤيته جيدا ولكن لا جدال في أنها صخرة سهلة الانزلاق وخطرة، ولا شك أنه يكمن في قلب الشخص الذي يرتكب هذا الفعل الخطير متعمدا، ما يجعله يفعل ذلك.
ما ذلك الشيء؟! لقد أسر قلبي تماما ذلك التساؤل، وطرد السلام النفسي الذي كان معي أمس. لم أعرف لماذا يلقي قلب إنسان - لا أعرفه - بظله هكذا على قلبي، ولكن مهما طردته، ومهما أبعدته، بقي منظر السترة السوداء الرابضة فوق الصخرة ، مثل طائر مشئوم.
ولسبب مجهول، لم أر ذلك الرجل طوال اليوم مع وجودنا في نفس الفندق. بدأت تدريجيا أصاب بالقلق عليه لدرجة أنني فكرت في سؤال مكتب استقبال الفندق عنه. ولكن سؤال الفندق عن نزيل آخر أمر غير مستحب. وربما كان الأمر عكس توقعاتي، ربما هو كاتب مسلسلات تلفزيونية يجلس أمام البحر ليقدح زناد خياله، قد يكون صغيرا في العمر جدا ليكون كذلك، ولكن لو كان صاحب موهبة عبقرية فلن يكون مستغربا.
كانت نيتي أن أطمئن نفسي بهذه الفكرة، ولكن عندما حان وقت نومي، اشتعل ذهني بالتفكير. وفي النهاية اعتمدت في تلك الليلة على المنومات. وأنا أتأرجح بين سعادتي؛ لأنني أحضرت معي الأدوية المنومة حتى هنا، وبين لعن الظروف التي جعلتني أحتاج إليها.
صفحه نامشخص