إن دور المحلل النفسي هو فقط الانتظار بصبر وتحمل، وإعطاء الزرع الماء والسماد، حتى تنفلق البذرة في باطن التربة المظلمة، وتنمو البراعم شيئا فشيئا، ثم تتفتح زهور الحل، ولكن مشاعري كانت لا تستطيع الانتظار. ومع ذلك لم أقرر بعد الاتصال هاتفيا بشقتها، وعندها بدأت أكيمي في قول ما يلي بنبرة إدارية غير ملفتة: «ماذا حدث؟ هل أصابتها نزلة برد؟ هل أتصل بها؟»
فقلت بحسم: «كلا، من الأفضل عدم الاتصال بها.» وبهذا أجبرت على فقدان الأمل من الاتصال بها هاتفيا. وندمت بكآبة لاختلاط مشاعر العناد تجاه أكيمي في ردي هذا، أكثر من كونه حكما من وجهة نظر الطب النفسي.
وفي الليل، مباشرة بعد أن أصبحت بمفردي، اتصلت هاتفيا بالشاب إغامي. وعلى غير المتوقع كان قد عاد من عمله إلى بيته مباشرة، ورد علي بصوت به ود كأن اتصالي به قد أنقذه، فقال إنه يريد الحديث معي على مهل في نفس المطعم الصغير الذي تقابلنا فيه من قبل في منطقة يوراكوتشو.
وقال إغامي إن ذلك المطعم الصغير الذي يقع في زاوية من حارة سوياشي، يعرفه منذ كان لاعبا في فريق التجديف بجامعة «ت»، ويتردد عليه جميع لاعبي الفريق؛ حيث كانت مالكة المطعم مشجعة لفريق الجامعة وتغدق على اللاعبين عنايتها وحبها. وعاملني إغامي في تلك الليلة كما يعامل صديقا قديما يشتاق إليه. قدم لنا في البداية أطباق صغيرة للمقبلات غير جذابة، وبدأت أتحدث بصراحة قائلا: «لقد مر أسبوع بعد آخر لقاء معا، كيف كان الحال؟» - «بعد يومين أو ثلاثة أيام من آخر جلسة علاج، كانت حالتها جيدة جدا. فلم تظهر عليها أعراض الهيستيريا، وكذلك في الليل، وإن لم تصل الحالة بعد إلى الشفاء الكامل، ولكنها أصبحت تترك لي القيادة بمشاعر مرتاحة. وشعرت بالامتنان لك يا دكتور؛ إنها لو استمرت على تلك الحالة فيبدو أن الأمر سيسير على ما يرام.
ولكن انقلب الحال رأسا على عقب، لقد جاءنا نبأ أن قريب ريكو وخطيبها يحتضر. جاء ذلك في رسالة من والدها، وأطلعتني أنا أيضا عليها، ويطلب فيها والدها سرعة العودة؛ لأن خطيبها أصيب بسرطان الكبد وعلى وشك الموت في أي وقت، مع أنه ما زال شابا لم يبلغ الثلاثين بعد، وربما كان بسبب استمراره في تعاطيه المتواصل للخمور غضبا من عدم عودة ريكو من طوكيو، ويقول إنه يريد رؤية وجه ريكو ولو مرة واحدة فقط قبل موته.
بالتأكيد تعاركت معها بسبب تلك الرسالة. وعندما قلت لها ما من ضرورة لكي تسرع بالذهاب لمقابلة خطيبها الذي تكن له كل تلك الكراهية لمجرد أنه يحتضر، اتهمتني ريكو على غير المتوقع بقسوة القلب.
قالت لي: «مهما كرهته فلن تكون تلك الكراهية كافية، ولكن من جانب آخر، فهو قريبي الذي قضيت معه طفولتي ولعبنا كثيرا معا، وثمة الكثير من ذكريات الطفولة البريئة معه. إنك بذلك تفرط كثيرا في الإساءة إلى أقاربي وتحتقرهم.» كانت نبرة كلامها في هجومها المضاد علي لا علاقة لها بنبرة ريكو الساخرة المعتادة، وأحسست نوعا ما أنني لمست فجأة وعي القبلية الريفي العطن داخل ريكو، فأصابتني خيبة أمل.
لقد كنت حتى تلك اللحظة أفكر في أنها لو أصرت على الذهاب أن أحصل على إجازة من عملي وأرافقها حتى مدينة قوفو، ولكن هجومها العكسي هذا جعلني أفقد رغبتي في الذهاب معها.
لقد ودعتها في محطة القطار أول أمس، وسألتها ماذا تنوي أن تفعل في موعدها القادم معك. أجابت بأنها سترسل رسالة من هناك، ألم تصل إليك منها رسائل؟»
كنت أسمع حديثه شاردا، فأجبت بلا وعي: «كلا.»
صفحه نامشخص