مشکلهی علوم انسانی: قانونمندسازی و امکان حل آن
مشكلة العلوم الإنسانية: تقنينها وإمكانية حلها
ژانرها
الفصل السابع
إمكانية حل مشكلة العلوم الإنسانية
لقد بدا واضحا كيف يطرح معيار القابلية للاختيار والتكذيب التجريبي أمام العلوم الإنسانية، وبمنتهى الدقة المستطاعة لمنطق العلم محكا حاسما لتحديد ما هو علمي دونا عما هو لاعلمي؛ ليصبح من الممكن تحديد تخومها العلمية بما يحول دون تسرب الأيديولوجيات والفلسفات والإسقاطات التقويمية وأحكام الحس المشترك ، وكل ما هو لاعلمي ينجم عن اقتحامه بنية العلم: افتقاد الإحكام في المشروع العلمي، وافتقار للتقنين المنطقي الدقيق، ما يؤدي إلى تعارض المسارات وتعرقلها، والحيلولة دون تسارع التقدم العلمي المرتهن بتآزر الجهود وتكاملها على النحو المتحقق بأجلى صورة في العلوم الطبيعية.
وإذا كانت هذه الخاصية المنطقية تتحقق على الوجه الأكمل - بداهة - في العلوم الطبيعية، وعلى الأخص الفيزياء بحكم بساطة موضوعها، وعراقة ممارساتها، فليس معنى هذا أننا ننشد تحقيقها، وبهذه الدرجة نفسها في العلوم الإنسانية، والتطويع لشروط الخاصة المنطقية المقننة والمقننة لا يشبه بحال «وضع الآراء على سرير بروكرست؛ حيث تقطع أوصالها حتى يلائمها، بل هو أشبه بممر أو ثقب لا يسمح إلا بعبور ما هو علمي محتجزا أمامه ما ينتمي لغير العلم، ما دام كان عاجزا عن صوغ نفسه في فرض يقبل التحقق من صحته أو كذبه».
1
فلسنا نطرح القابلية للاختبار والتكذيب - أي الخاصة المنطقية للعلوم الطبيعية - كهدف ينبغي إحرازه، بل هي بالأحرى مبدأ تنظيمي، لصوغ الفروض والحكم عليها بمنأى عن التحيز والهوى وضغوط العوامل الخارجية، فيكفل الخروج بنتائج «علمية» أنه مبدأ تنظيمي، كلما اقتربت منه العلوم الإنسانية أكثر تآزرت جهودها أكثر لتمثل متصلا صاعدا عساه أن يتسارع.
إن هذا لا يعني أكثر من إمكانية إنجاز المشروع العلمي على نفس الأسس والحدود المنطقية للظواهر الطبيعية والإنسانية على السواء المشكلة معا لمجمل الكون الذي نحيا فيه، ونهدف إلى إحكام سيطرة العقل عليه بواسطة العلم التجريبي الذي أثبت نجاحا لا يمارى ولا يبارى في هذا الصدد، لقد هدفنا إلى استغلال ما هو مشترك في الممارسة العلمية التي أثبتت نجاحا واضحا، أي البحث عما يجعل من النسق نسقا علميا، وليس فلسفيا، أو فنيا، أو قيميا، أو غيرها من طرق تعامل قوى الإنسان المبدعة مع عوالمه.
والواقع أن الخاصة المنطقية التي جعلناها حجر الزاوية لحل المشكلة لا تعدو أن تكون الصياغة المنطقية الصورية المقننة الدقيقة، لما يعرف بالسمة التجريبية التي هي العلاقة المسئولة مع الواقع، وقد أصبحت خاصة مميزة للعلوم الطبيعية عبر ممارسات طويلة عريضة عريقة وراسخة، منذ أن أعلن فرانسيس بيكون البيان الرسمي لها، أي منذ ما يقرب من أربعة قرون خلت، ولا يجادل أحد في أن تجاوز العلوم الإنسانية لطور الميلاد والنشأة والنمو، وأيضا النضج راجع إلى أنها وجدت أساليبها التجريبية الأمبيريقية وأحكمتها، ويبقى أن مضاعفة درجة التقدم سوف تعتمد على التقنين المنطقي والأشمل لهذه التجريبية؛ خصوصا أن التكالب عليها أدى إلى جعل أنساق العلوم الإنسانية مفتوحة من جهة يتسرب منها سيل التعميمات التجريبية بغير أن تؤسس رصيدا متفقا عليه في انفلاق ضار بين التجريب والتنظير، وتلك السمة التجريبية المقننة التي هي قابلية الفروض العلمية للاختبار تطرح أمام العلوم الإنسانية محكا لضبط التجريب بتوجيهه نحو فروض، فيمكن أن تؤسس رصيدا متفقا عليه، وتداني بين التجريب والتنظير.
أما عن التخلف النسبي للعلوم الإنسانية الذي عالجناه في الفصل الثاني من الكتاب لنلقاه مردودا إلى افتقار التآزر بين التفسيرات، فإن بوبر يعبر عن هذا الافتقاد قائلا: «بعض علماء العلوم الإنسانية غير قادرين، بل ولا يرحبون بالحديث بلغة مشتركة.»
2
صفحه نامشخص