مرور در سرزمین هناء و خبری از دنیای باقی
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
ژانرها
القسم الثاني
ولم ينته حنوش من كلامه حتى وصلنا إلى مكان ساد فيه السكوت، وتولى عليه النظام التام، وفي صدر المكان رجل مهاب جالس على كرسي، ومن حوله الجنود، وفي أيديهم آلات متنوعة الأشكال، وفي القرب منه جمع كبير من الناس، كلهم شاخصون إليه، فسألت حنوش عن هذا المشهد المهيب، فقال: هذا هو مكان القصاص الابتدائي، وهذه الجموع هي الأنفس التي ستحاكم الآن، وهذا الرجل الجالس على كرسي الحكم، هو المأمور الذي ينفذ الأحكام على المذنبين بأمر من العزة الإلهية.
ثم أشار إلي حنوش بأن أجلس بجانبه إلى أن يأتي دوري بالمحاكمة، فجلست أنتظر محاكمة البشر.
وبعد هنيهة نادى ذلك المأمور بصوت عال: أحضروه إلى هنا. وحالا أحضر الجنود رجلا تظهر على محياه العظمة والكبرياء، ذا وجه عبوس، يستدل من حركاته التذمر والأنفة لكونه مساقا كمجرم، فسألت حنوش عن هذا الرجل، فقال: هذا أحد ملوك الشرق العظام. ولما وقف أمام المأمور، أمر له بمائة جلدة بقضبان من حديد محمية، فلما سمع بهذا القصاص وهذا الحكم كبر عليه الأمر، وصاح موجها كلامه للمأمور: أنا أقاص؟! أنا ملك جليل القدر، أجازى من رجل صعلوك مثلك؟! اعرف من الذي أمامك، إن ألوفا من الجند وملايين من الخلائق كانت طوع إشارتي.
فتأثر المأمور لهذه العظمة الفارغة، وأجابه بقوله: اصمت أيها الظالم، إنك في مكان لا فرق فيه بين الملك والجندي. كتفوه أيها الجنود، وألقوه على الأرض، الآن أريد أن «أفرك رقبتك» جزاء على مطاولتك وعدم طاعتك، هل تظن نفسك أن ملكك سيدوم في العالم الأول والآخر، لو كنت عادلا نزيها شفوقا على رعيتك، محبا تقدمها ونجاحها في العالم الأرضي، لكنت الآن مكرما معززا سعيدا، ولكنك كنت ظالما غليظ القلب، تصم آذانك عن نداء المظلومين والمصابين من جور مأموريك وأعوانك وجواسيسك، وكنت فوق هذا مستبدا لا تقبل نصيحة نصوح ولا مشورة مخلص، ولا تريد أن يشاركك أحد في سياسة الرعية، فألغيت مجالس الشورى، وأبعدت عنك كل ذي نفس أبية، وقربت إليك كل مدلس منافق، قلبه كالصخر الأصم، حتى أصبحت بلادك في مؤخرة البلدان من حيث العلم والتمدن والصناعة والزراعة، فنخر عظمها سوس الفساد من جرى حكمك، الذي أبعد الأمان عن السكان، وأصبحوا لا يأمنون على عرضهم ومالهم وأرواحهم. هذه العظمة التي تريد أن تتظاهر بها الآن، هل كنت تتظاهر بها عندما يأتيك أحد معتمدي الدول، ويرغمك على المصادقة على مطاليب تكون فائدتها راجعة إلى بلاده، ومضارها على رعاياك، يظهر أنك «لا تجيء إلا بالكسر مثل البطيخ».
دمرت بلادك من كثرة الضرائب التي فرضتها على الرعية التعيسة، وجعلت فلاحها في حالة من أتعس الحالات، هل نسيت يا أيها النحس أنك كنت تقتني في دار ملكك ما يزيد عن الألف امرأة تسجنها وتجعلها رهن شهواتك الحيوانية، وتحرمها من الحياة العائلية السعيدة «تشتهي الرزق»، إن الوحوش الضارية أعف نفسا منك، فكيف مع هذا يمكنك أن تدير أعمال الملك وتسوس الرعية، وأنت غائص ببحر الفساد، وساقط على حضيض الفحشاء، كان الواجب عليك أن تكون قدوة صالحة لرعيتك، «يا قليل الهيبة» في نظام العائلة التي يتوقف عليها عمار البلاد وإسعاد العباد.
كم قتلت من أقرب الناس إليك، كم ظلمت منهم من الأبرياء، وأوديت بحياتهم في ظلمات السجون، لمجرد ظن فاسد، أو من وشاية واش، كل ذلك لخوفك على هذه الروح الشقية.
لو كنت عادلا لما كنت تخاف من أحد، لو كنت شفوقا رحوما لما كان أحد يسطو على حياتك، وكنت تسير في الشوارع والأسواق بلا حراس ولا جنود، لو كنت محبا لبلادك لكنت في غنى عن ذلك التحفظ والحذر وقلق البال، ولكن الظالم سيبلى بالظلم.
كم اغتصبت من أملاك الفقراء، وجعلتها من أملاكك الخاصة يا غاشم! كم اغتصبت من العذارى البتولات، وضحيتهن على مذبح شهواتك الرديئة، وفرقتهن عن أهلهن! كم سفكت من الدماء في الحروب التي أنتجتها مطامعك وعنادك، فعادت نهايتها عليك بالفشل والخراب!
ملكت بلادك فعلا للغرباء بما أعطيتهم من الامتيازات، وأصبحت حاكما عليها بالقول فقط، وأمست الرعية في أسوأ حال.
صفحه نامشخص