فلنرجع الآن إلى ذكر تشعب مياه هذا البحر وخلجانه، ودخوله في البحر ودخول البز فيه، فنقول: إن خليجا آخر يمتذ من هذا البحر الحبشي فينتهي إلى مدينة القلزم من أعمال مصر، وبينها وبين فسطاط مصر ثلاثة أيام، وعليه مدينة أيلة والحجاز وجدة واليمن، وطوله ألف وأربعمائة ميل، وعرض طرفيه مائتا ميل، وهو أقرب المواضع من عرضه، وعرضه في الوسط سبعمائة ميل، وهو أكثر العرض فيه، ويلاقي ما ذكرناه من الحجاز وبلاد أيلة من غربيه من الساحل الآخر من هذا الخليج بلاد العلاقي وبلاد العيذاب من أرض مصر وأرض البجة، ثم أرض الحبشة والأحابش والسودان إلى أن يتصل ذلك بأقاصي أرض الزنج وأسافلها، فيتصل إلى بلاد سفالة من أرض الزنج، ويتشعب من هذا البحر خليج آخر، وهو بحر فارس، وينتهي إلى بلاد الأبلة والخشبات وعبادان من أرض البصرة، وعرضه في الأصل خمسمائة ميل، وطول هذا الخليج ألف وأربعمائة ميل، وربما يصير عرض طرفيه مائة وخمسين ميلا، وهذا الخليج مثلث الشكل ينتهي أحد زواياه إلى بلاد الأبلة، وعليه مما يلي المشرق ساحل فارس من بلاد دورق الفرس وماهر بان ومدينة حسان، وإليها تضاف الثياب الحسانية ومدينة نجيرهم ببلاد سيراف، ثم بلاد ابن عمارة، ثم ساحل كرمان، وهي بلاد هرموز، وهرموز مقابلة لمدينة سنجار من بلاد عمان، ثم يلي ساحل كرمان ويتصل به على ساحل هذا البحر بلاد مكران، وهي أرض الخوارج الشراة، وهذه كلها أرض نخل، ثم ساحل السند، وفيه مصب نهر مهران، وهناك مدينة الديبل، ثم يكون مارا متصلا بساحل الهند إلى بلاد بروض، وإليها يضاف القنا البروضي، برا متصلا إلى أرض الصين ساحلا واحدا، ويقابل ما ذكرنا من مبدأ ساحل فارس ومكران والسند بلاد البحرين وجزائر قطر وشط بني جذيمة وبلاد عمان وأرض مهرة إلى رأس الجمجمة إلى أرض الشحر والأحقاف، وفيه جزائر كثيرة مثل جزيرة خارك، وهي بلاذ جنابة ةلأن خارك مضافة إلى جنابة، وبينها وبين البر فراسخ وفيها مغاص اللؤلؤ المعروف بالخاركي، وجزيرة أوال فيها بنو معن وبنو مسمار وخلائق كثيرة من العرب بينها وبين مدن ساحل البحرين نحو يوم، بل أقل من ذلك، وفي ذلك الساحل مدينة الزارة والعقل والقطيف من ساحل هجر، ثم بعد جزيرة أوال جزائر كثيرة، منها جزيرة لافت، وتدعى جزيرة بني كاوان، وقد كان افتتحها عمرو بن العاص، وفيها فسجده إلى هذه الغاية، وفيها خلق من الناس وقرى وعمارة متصلة، وتقرب هذه الجزيرة إلى جزيرة هنجام، ومنها يستسقي أرباب المراكب الماء، ثم الجبال المعروفة بكسير وعوير وثالث ليس فيه خير، ثم الدردور المعروف بدردور مسندم، ويكنيه البحريون بأبي جهرة، وهذه مواضع من البحر، وجبال سود ذاهبة في الهواء لا نبات عليها ولا حيوان، يحيط بها مياه من البحر عظيم قعرها وأمواج متلاطمة تجزع منها النفس إذا أشرفت عليها، وهذه المواضع من بلاد عمان وسيراف لا بد للمراكب من الجواز عليها والدخول في وسطها، فتخطىء وتصيب، وهذا البحر هو خليج فارس ويعرف بالبحر الفارسي، عليه ما وصفنا من البحرين وفارس والبصرة وكرمان وعمان إلى رأس الجمجمة، وبين هذا الخليج وخليج القلزم أيلة والحجاز واليمن، ويكون بين الخليجين من المسافة ألف وخمسمائة ميل، وهي داخلة من البر في البحر، والبحريطيف بها من أكثر جهاتها على ما وصفنا.فهذا بحر الصين والهند وفارس وعمان والبصرة والبحرين واليمن والحبشة والحجاز والقلزم والزنج والسند ومن في جزائره ومن قد أحاط به من الامم الكثيرة التي لا يعلم وصفهم ولا عددهم إلا من خلقهم سبحانه وتعالى، ولكل قطعة منه اسم يفردها من غيرها، والماء واحد متصل غير منفصل.
وفي هذا البحر مغاصات الدر واللؤلؤ، وفيه العقيق والبادبيج، وهونوع من البجادي، وأنواع الياقوت والماس والسنباذج، وفيه معادن ذهب وفضة نحو بلاد كلة وسريرة، وحوله معادن حديد مما يلي بلاد كرمان، ونحاس بأرض عمان، وفيه أنواع الطيب والأفاويه والعنبر وأنواع الأدوية والعقاقير والساج والخشب المعروف بالد ارزنجي والقنا والخيزران، وسنذكر بعد هذا الوضع تفصيل مواضع فيه أدركناها، وكل ما ذكرنا من الجواهر والطيب والنيات ففيه وحوله، وسائر ما ذكرنا من هذا البحر يدعى بالبحر الحبشي، ورياح ما وصفنا من قطعه التي تدعى كل واحدة منها بحرا كقولنا: بحر فارس، وبحر اليمن، وبحر القلزم، وبحر الحبش، وبحر الزنج، وبحر السند، وبحر الهند، وبحر كلة، وبحر الزانج، وبحر الصين - فمختلفة، فمنها ماريحه من قعر البحر يظهر فتغليه ويعظم موجه كالقدر تفر مما يلحقها من مواد حرارة النار، ومنها ما ريحه والآفة فيه من قعره والنسيم، ومنها ما يكون مهبة من النسيم عون ما يظهرمن قعره، وما وصفناه مما يظهر من قعره من الرياح فذلك تنفسات من الأرض تظهر إلى قعره ثم تظهرفي سطحه، والله عزوجل أعلم بكيفية ذلك، ولكل من يركب هذه البحار من الناس رياح يعرفنها في أوقات تكون منها مهابها، قد علم ذلك بالعادات وطول التجارب، يتوارثون علم ذلك قولا وعملا، ولهم فيها دلائل وعلامات يعملون بها إبان هيجانه وأحوال ركوده وثورانه، هذا فيما سمينا من البحر الحبشي والروم، والمسافرون في البحر الرومي سبيلهم كذلك، وكذلك من يركب بحر الخزر إلى بلاد جرجان وطبرستان والديلم، وسنأتي بعد هذا الموضع على جمل وفصول من علم معرنة هنه البحار، وعجائب أوصافها وأخبارها، إن شاء الله تعالى.
ذكر تنازع الناس في المد والجزر وجوامع مما قيل في ذلك
المد:
صفحه ۴۲