مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودی d. 346 AH
149

مروج الذهب ومعادن الجوهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وقد كان ملك الروم في مدة الوليد بن عبد الملك بن مروان أنفذ خادما من خواص خدمه ذا رأي ودهاء سرا، ؤجاء مستأمنا إلى بعض الثغور، فورد بآلة حسنة، ومعه جماعة، فجاء إلى الوليد فأخبره أنه من خواص الملك، وأنه أراد قتله لموجدة وحال بلغته عنه لم يكن لها أصل، وأنه استوحش منه، ورغب في الإسلام، فأسلم على يدي الوليد، وتقرب من قلبه، وتنصح إليه في دفائن استخرجها له من بلاد دمشق وغيرها من الشام بكتب كانت معه فيها صفات تلك الدفائن، فلما رأى الوليد تلك الأموال والجواهر شرهت نفسه، واستحكم طمعه، فقال له الخادم: يا أمير المؤمنين، إن ههنا أموالا وجواهر ودفائن للملوك، فسأله الوليد عن الخبر، فقال: تحت منارة الإسكندرية أموال الأرض، وذلك أن الإسكندر احتوى على الأموال والجواهر التي كانت لشداد بن عاد وملوك العرب بمصر والشام، فبنى لها الأزاج تحت الأرض، وقنطر لها الأقباء والقناطر والسراديب، وأودعها تلك الذخائر من العين والورق والجواهر وبنى فوق ذلك هذه المنارة، وكان طولها في الهواء ألف ذراع، والمرآة على علوها والدبادبة جلوس حولها، فإذا نظروا إلى العدو في البحر في ضؤ تلك المرآة صوتوا بمن قرب منهم، ونصبوا ونشروا أعلاما فيراها من بعد منهم فيحذر الناس وينفر البلد، فلا يكون للعدو عليهم سبيل، فبعث الوليد مع الخادم بجيش واناس من ثقاته وخواصه فهدم نصف المنارة من أعلاها، وأزيلت المرآة؟ فضج الناس من أهل الإسكندرية وغيرها، وعلموا أنها مكيدة وحيلة في أمرها، ولما علم الخادم استفاضة ذلك، وأنه سينمى إلى الوليد، وأنه قد بلغ ما يحتاج إليه هرب في الليل في مركب كان قد أعده، وواطأ قومأ على ذلك من أمره، فتمت حيلته، وبقيت المنارة على ما ذكرنا إلى هذا الوقت - وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلثمائة - وكان حوالي منارة الإسكندرية في البحر مغاص يخرج منه قطع من الجواهر تتخذ منه فصوص للخواتم يشبه أنواعا من الجواهر: منه السكركهن والأدرك وأشباد جشم، ويقال: إن ذلك من الألات التي كان اتخذها الإسكندر للشراب، فلما مات كسرتها أمه صرمت بها في تلك المواضع من البحر، ومنهم من رأى أن الإسكندر اتخذ ذلك النوع من الجوهر وغرقه حول المنارة لكيلا يخلو من الناس حولها، لأن من شأن الجوهر أن يكون مطلوبا أبدا في كل عصر في معدنه برا أو بحرا، فيكون الموضع على عوام الأوقات بالناس معمورا، والأكثر مما يستخرج من الجوهر حول منارة الإسكندرية الأشباد جشم، وقد رأيت كثيرا من أصحاب التلويحات وممن عني بأعمال الجواهر المنسوبة بالمغرب يعمل هذه الجواهر المعروفة بالأشباد جشم، ويتخذ منه الفصوص وغيرها، وكذلك الفصوص المعروفة بالباقلمون وهي ترى ألوانا مختلفة من حمرة وخضرة وصفرة تتلون في المنظر ألوانا مختلفة على حسب ما قدمنا، والتلون من ذلك على حسب الجرهر في صفائه واختلاف نظر البصر في إدراكه، وتلون هذا النوع من الجوهر - أعني الباقلمون - نحو تلون ريش صدر الطواوشى ؟ فإنها تلون ألوانا مختلفة بأذنابها وأجنحتها - أعني الذكور دون الإناث - وقد رأيت منها بأرض الهند ألوانا تظهر لحس البصر عند تأملها، لا تدرك ولا تحصى، ولا تشبه بلوق من الألوان؟ لما يتراثف من تموج الألوان في ريشها، ويتأتى ذلك منها لعظم خلقها وكبر أجسامها وسعة ريشها؟ لأن للطواوس بأرض الهند شأنا عجيبا، والذي يحمل منها إلى أرض الإسلام ويخرج عن أرض الهند فيبيض ويفرخ تكون صغيرة الأجسام، كدرة الألوان، لا تخطف أنوار الأبصار بإدراكها، وأنما تشبه بالهندية بالشبه اليسير، هذا في الذكور منها دون الإناث.

وكذلك شجر النارنج والأترج المدور، حمل من أرض الهند إلى أرض غيرها بعد الثلثماثة، فزرع بعمان ثم نقل إلى البصرة والعراق والشام، حتى كثر في دور الناس بطرسوس وغيرها من الثغور الشامية وإنطاكية وسواحل الشام وفلسطين ومصر، وما كان يعهد ولا يعرف، فعدمت منه الروائح الخمرية الطيبة، واللون الحسن الذي يوجد فيه بأرض الهند؟ لعدم ذلك الهواء والتربة والماء وخاصية البلد.

سر بناء المنارة

صفحه ۱۶۷