مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودی d. 346 AH
132

مروج الذهب ومعادن الجوهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال المسعودي: ذكر الله جل ثناؤه مصر في مواضع من كتابه، فقال عز وجل: " وقال الذي اشتراه من مصر " وقال " أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين " وقال تعالى: " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا " وقال: " اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم " وقال تعالى: " وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه " .

وصف مصر

ووصف بعض الحكماء مصر فقال: ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء، وثلاث أشهر مسكة سوداء، وثلاثة أشهر زمردة خضراء، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء فأما اللؤلؤة البيضاء فإن مصر في شهر أبيب - وهو تموز - ومسري - وهو آب - وتوت - وهو أيلول - يركبها الماء فترى الدنيا بيضاء، وضياعها على راوبي وتلال مثل الكواكب، قد أحاطت المياه بها من كل وجه، فلا سبيل لبعض البلاد إلى بعض إلا في الزوارق، وأما المسكة السوداء فأن في شهر بابه - وهو تشرين الأول - وهاتور - وهو تشرين الثاني، وكيهك - وهو كانون الأول - ينكشف الماء عنها، وينضب عن أرضها فتصير أرضا سوداء، وفيها تقع الزراعات، وللأرض روائح طيبة تشبه روائح المسك، وأما الزمردة الخضراء، فإن في شهر طوبة - وهو كانون الثاني - وأمشير - وهو شباط - وبرمهات - وهو آذار - تلمع ويكثر عشبها ونباتها؟ فتصير كألزمردة الخضراء وأما السبيكة الحمراء فإن في شهر برمودة - وهو نيسان - وبشنس - وهو أيار - وبؤونة - وهو حزيران - يبيض الزرع، ويتورد العشب، فهو كسبيكة الذهب منظرا ومنفعة.

وسنذكر هذه الشهور بالسريانية والعربية والفارسية، ونسمى كل شهر منها بعد هذا الموضع من هذا الكتاب، وإن كنا قد أتينا على جميع ذلك في الكتاب الأوسط.

ووصف آخر مصر فقال: نيلها عجب، وأرضها ذهب، وخيرها جلب وملكها لمن سلب، ومالها رغب، وفي أهلها صخب، وطاعتهم رهب، وسلامهم شغب، وحروبهم حرب، وهي لمن غلب.

نهر النيل

ونهرها النيل من سادات الأنهار، وأشراف البحار؟ لأنه يخرج من الجنة على حسب ما ورد به خبر الشريعة إن النيل وسيحان، وهو نهر أدبه من الثغر الشامي، ويصب إلى البحر الرومي، ومخرجه على ثلاثة أيام من ملطية، ويجري في بلاد الروم، وليس للمسلمين عليه إلا مدينة أذنة بين طرسوس والمصيصة، وجيحان، ومخرجه من عيون تعرف بعيون جيحان على ثلاثة أيام من مدينة مرعش، ويطرح إلى البحر الرومي، فليس للمسلمين عليه من المدن إلا المصيصة وكفربيا، ومجراه بينهما، والفرات وقد قدمنا الأخبار عنه وعن النيل ومبدئهما ومقدار جريانهما على وجه الأرض ومصبهما، فيما سلف من هذا الكتاب، وأنه يخرج من الجنة، وكذلك الدجلة وغيرها مما اشتهر من الأنهار الكبار.

وقد قالت العرب في النيل: إنه إذا زاد غاضت له الأنهار والأعين والأبار، وإذا غاض زادت؟ فزياداتها من غيضه، وغيضه من زياداتها.

قال البسري : يغيض إن زاعت له الأنهار في الأرض ذات العرض والمقدار وقالت الهند: زيادته ونقصانه بالسيول، ونحن نعرف ذلك بتوالى الأنواء وكثرة الأمطار، وركود السحاب.

وقالت الروم: لم يزد قط ولم ينقص، وءإنما زيادته ونقصانه من عيون كثرت واتصلت.

وقالت القبط: زيادته ونقصانه من عيون في شاطئه، يراها من سافر ولحق بأعاليه.

وقيل: لم يزد قط، وإنما زيادته بريح الشمال إذا كثرت واتصلت به، فتحبسه، فيفيض على وجه الأرض.

وقد ذكرنا التنازع في النيل وزيادته ممن سلف وخلف، على الشرح والإيضاح، وغيره من الأنهار الكبار والبحار والبحيرات الصغار، في كتاب أخبار الزمان في الفن الثاني، فأغنى ذلك عن إعادتها في هذا الكتاب.

وصف مصر أيضا

صفحه ۱۵۰