مروج الذهب ومعادن الجوهر

المسعودی d. 346 AH
129

مروج الذهب ومعادن الجوهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

وأخبرني أبو عمير عدي بن أحمد بن عبد الباقي الأزدي أن الرشيد لما أراد النزول على حصن هرقلة - وكان معه أهل الثغور، وفيهم شيخا الثغور الشامية مخلد بن الحسين، وأبو إسحاق الفزاري صاحب كتاب السير - فخلا الرشيد بمخلد بن الحسين، فقال: أي شيء تقول في نزولنا على هذا الحصن؟ فقال: هذا أول حصن لقيت من حصون الروم: هو في نهاية المنعة والقوة فإن نزلت عليه وسهل الله فتحه لم يتعذر عليك فتح حصن بعده، فأمره بالانصراف، ودعا بأبي إسحاق الفزاري فقال له مثل ما قال لمخلد، فقال: يا أمير المؤمنين هذا حصن بنته الروم في نحر الدروب ، وجعلته لها ثغرا من الثغور، وليس بالاهل، فإن أنت فتحته لم يكن فيه ما يعم المسلمين من الغنائم، وإن تعذر فتحه كان ذلك نقصا في التدبير، والرأي عندي أن يسير أمير المؤمنين إلى مدينة عظيمة من مدن الروم، فإن فتحت عمت غنائمها المسلمين، وإن تعذر ذلك قام العذر، فمال الرشيد إلى قول مخلد، فنزل على هرقلة، ونصب حولها الحرب تسعة عشر يوما، فأصيب خلق كثير من المسلمين، وفنيت الأزواد والعلوفات، وضاق صدر الرشيد من ذلك، فأحضر أبا إسحاق الفزاري، فقال: يا إبراهيم قد ترى ما نزل بالمسلمين، فما الرأي الآن عندك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد كنت أشفقت من هذا، وقدمت القول فيه ورأيت أن يكون الجد والحرب من المسلمين على غير هذا الحصن، وأما الآن فلا سبيل إلى الرحيل عنه من بعد المباشرة، فيكون ذلك نقصا في الملك. ووهنا في الدين، وإطماعا لغيره من الحصون في الامتناع عن المسلمين، والمصابرة لهم، لكن الرأي يا أمير المؤمنين أن تأمر بالنداء في الجيش أن أمير المؤمنين مقيم على هذا الحصن إلى أن يفتحه الله عز وجل للمسلمين، وتأمر بقطع الخشب وجمع الأحجار وبناء مدينة بازاء هذا الحصن إلى أن يفتحه الله عز وجل، ولا يكون هذا الخبر ينمو إلى أحد من الجيش إلا على المقام؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الحرب خدعة وهذه حرب حيلة لا حرب سيف، فأمر الرشيد من ساعته بالنداء، فحملت الأحجار وقطع الأخشاب من الشجر، وأخذ الناس في البناء، فلما رأى أهل الحصن ذلك جعلوا يتسللون في الليل، ويدلون أنفسهم بالحبال.

وفي خبر أبي عمير بن عبد الباقي زيادات، منها خبر الجارية التي سباها الرشيد من هذا الحصن، وهي ابنة بطريقه، وكانت ذات حسن وجمال، فزايد فيها صاحب الرشيد في المغنم، وبالغ فيها حتى اشتراها له، فبلغت من قلبه، وبنى لها نحو الرافقة بأميال على طريق بالس حصنا سماه هرقلة على الفرات، يحاكي به حصن هرقلة ببلاد الروم، في خبر طويل قد أتينا على جميعه في كتابنا الأوسط.

وهذا الحصن باق إلى هذه الغاية هنالك خراب يعرف بهرقلة.

صفحه ۱۴۷