وقف قائد الكشافة ساكنا. وسقطت يداه النحيلتان المسمرتان بين الشرائط. وارتفعت عيناه العميقتان المعبرتان الرقيقتان إلى عيني سيد النحل.
قال قائد الكشافة: «هل تعتقد أن العهد بين الله والإنسان يشبه قليلا العهد بيننا بشأن النحل وبشأن أسرارنا؟»
كانت عينا سيد النحل الطيبتان العجوزتان رقيقتين ورصينتين وكان صوته يشي بالحب وهو يقول للطفل الصغير: «حسنا، إن العهد هو كما تعلم تفاهم؛ إنه عادة اتفاق بين شخصين فقط، اتفاق بخصوص شيء مهم وشيء ذي شأن.»
فقال الكشافة الصغير: «حسنا، هكذا كان العهد بيننا، وإنني ما زلت أحفظه، وسوف أظل أحفظه. وهذا الشريط، الآن هذا الشريط كأنه حوض زهور منظم باقاته مصطنعة تماما، وهذا منقوش بخطوط رومانية مثل الذي ارتداه بن هور (شخصية في رواية تاريخية تدور أحداثها في زمن المسيح، عولجت في عدة أعمال مسرحية وسينمائية) حزاما حين قاد النسر الطائر وقلب العقرب والدبران ورجل الجبار (الخيول الأربعة التي تجر عربته في أحداث الرواية وهي مسماة بأسماء نجوم). يا إلهي ! ويحي! ألن يصبح شيئا رائعا إن كان فعلا لدينا الآن حلبة وخيول تدار بأمانة وصدق مثل تلك وسباقات مثل تلك؟ أما في تلك السباقات التافهة الصغيرة التي تجري هنا فالخيالة يأتون ويقررون نتيجة السباق قبل أن يجروه، ويجرون قرعة في الصباح ليقرروا من يفوز في ذلك اليوم، يا للقرف! ألا تثير اشمئزازك؟ لقد أصبح العالم في غاية الفساد حتى إنهم لم يعودوا يقيمون معرض الخيول الصغيرة!»
فقال له سيد النحل: «يؤسفني أن أقول إنك محق في كلامك. وإن لم نتوقف وقفة صارمة، وإن لم نرجع إلى طريق الصواب، وإن لم نثب لرشدنا قريبا جدا، فلن يتبقى لدينا الكثير من الشرف القديم، الذي كان سائدا بين الرجال، في أي مكان من هذا العالم سواء في الرياضة أو العمل.»
وحين لاحظ اليد القابضة للكشافة الصغير ووجهه الكالح، أردف قائلا: «هل ما زلت باسطا سيطرتك على فتيان الكشافة هذه الأيام؟»
كانت هناك لحظة تردد من جانب قائد الكشافة. «الطفل المطيع لا بأس به، أما بيل السمين الطيب وذو الوجه الملائكي فقد اشتدت عريكتهما كثيرا. إذا تمردا علي كل على حدة فسأستطيع السيطرة عليهما. لكن إذا جاء اليوم وجعل اثنان أو ثلاثة منهم يشاغبون مجتمعين» هنا استقام قائد الكشافة ورفع وجها التوت قسماته في عبوس منزعج «فالويل لي!»
لم يقو جيمي وسيد النحل على كبت الضحك، رغم الاحترام البالغ الذي يكنانه لعقلية رفيقهما الصغير.
استأنف الصغير كلامه فقال: «حسنا، كما كنت أقول لك، تستطيع أن تتأمل جمالها، وتستطيع أيضا أن تجدلها. فقط اجعل إحدى الممرضات تعطيك دبوسا وابدأ باثنين ثم واصل في حياكتها هكذا، وبذلك تستطيع صنع غطاء يكفي ليغطي كتفيك ويقيك من الهواء البارد، وتستطيع أن تجريها مثل الأمواج، وتستطيع أن تلفها في دوائر. لا أعرف شيئا أسهل أن تلهو به أو تحصل منه على تشكيلات أكثر وأنت مريض ومضطر إلى البقاء في الفراش من مجموعة من الشرائط الجميلة. إنها تبقي ذهنك مشغولا بما تفعله، لكنها ليست مثل السوليتير (لعبة من ألعاب الأوراق التي يلعبها الشخص بمفرده) أو بعض الأشياء التي تستطيع أن تلعبها بمفردك، لكن تجعلك تجتهد في التفكير لدرجة أن تصاب بوجع في الرأس إن لم تكن تؤلمك بالفعل. والآن أعتقد أنه من الأفضل أن نرحل. فإن سيد النحل سيعتريه التعب. وأمي قالت إنني لا ينبغي أن أبقى طويلا حتى يحل برجل مريض التعب، وإنني لا بد ألا أتكلم كثيرا حتى أجعله أسوأ حالا، وماذا قالت غير ذلك؟ صحيح، تذكرت. إنني يجب ألا يبدو علي أنني أريد أن آكل أي شيء؛ لأنه لا يوجد أي شيء للأكل في المستشفى.»
وبحركة متلكئة أقصى قائد الكشافة الشرائط المبهرجة، ورمقها لوهلة باشتهاء، ثم انحنى على سيد النحل وطبع قبلة رقيقة على جبينه، وقال: «لتكن فتى مطيعا وتناول دواءك ونم حين تؤمر وتعال سريعا للمنزل، بأسرع ما تستطيع!»
صفحه نامشخص