فسأله جيمي: «ما المشكلة؟» «حسنا، أعتقد أنك تعرف كيف يتأتى لك أن تصبح قائد كشافة، أليس كذلك؟»
ولأن جيمي كان يريد معلومات، فقد قال إنه ليس متأكدا.
فهز الكشافة الصغير كتفين ساخطين. «حسنا، أما أنا فمتأكد! متأكد تماما أنك تصبح قائد كشافة من خلال السيطرة على فتيان الكشافة، تلك هي الطريقة! إذا قفزوا، قفزت أبعد منهم. وإذا وثبوا، وثبت أعلى منهم. وإذا ركضوا، بسطت جناحين أبيضين وسبقتهم. وإذا ركبوا دراجات، استلقيت فوق المقود ونهبت الأرض كمن يفر بحياته تاركا الباقين يتأخرون خلفك. وإذا جدفوا بزوارقهم، قلبت أمواج زورقك زوارق الباقين. وإذا كانت مباراة ملاكمة، فعليك أن تتمرن جيدا جدا على الجوجوتسو بحيث تستطيع أن تطوح أي واحد في المجموعة في أي اتجاه تريده أن يندفع فيه. أن تكون قائد كشافة هو أن تسيطر على الجماعة، وإن بيل السمين الطيب يتطلب مني أن أبذل بعض جهدي لأسيطر عليه! أما الطفل المطيع فأمره أسهل، لكن دعني أقل لك إن ذا الوجه الملائكي بدأت تنمو له عضلات حديثا! وهو لم يكن في حالة جيدة قبل ذلك. إذ كان يشكو من التهاب الزائدة الدودية. كان حسبك أن تتغلب عليه بضربة خفيفة في أي مكان في نطاق جانبه الأيمن فتجعله في جهد شديد. لكن تبدل حاله الآن وصار سليم الجسد. وسوف يصبح رجلا ضخما كبيرا قويا. وخلال عام آخر فقط سيكتشف الأشياء التي أعرفها الآن، وإذا صار لديه ما لدي من معلومات، فسوف يعلم أن سيطرتي عليه الآن ليست إلا من قبيل الحظ. ومتى يكتشفون ذلك فسيتمردون علي، وسيحق للشخص الذي يستطيع السيطرة على المجموعة أن يستولي على العرش. لقد عرفت ذلك من كتاب تاريخ، وإنها معلومات قيمة. تبدو مزعجة، لكنها بيان واضح بالحقائق. إن قائد الكشافة والمزعج هما الشيء نفسه.»
قال جيمي: «بعبارة أخرى، أنت تبالغ في العمل الشاق. لقد تدربت حتى بالغت في إنقاص وزنك لأقصى حد، وبينما ازداد الباقون قوة، فقدت أنت قوتك. أليس ذلك هو جوهر الأمر؟»
استغرق قائد الكشافة في التفكير. «أعتقد أن المسألة الحقيقية على وجه التحديد أنني واحد وهم ثلاثة، وفي بعض الأحيان يلحون إلحاحا شديدا حتى نضم اثنين أو ثلاثة آخرين فلا أستطيع أن أخضعهم؛ علي إما أن أبسط سيطرتي عليهم أو أتركهم. تكاد تنفد مني طاقتي تلك الأيام. وتقول نانيت إنني أظل أتشاجر وأتقلب في الفراش وأركل حتى أتطفل على منطقتها أحيانا، لكنها لا تعرف عني شيئا تعايرني به. فإنني لم أصب قط بحالة هيستيرية وصرخت حتى أيقظت أسرتنا لمجرد أن السلاحف لم تأكل جثة الغريق بالكامل!»
شد جيمي ذراعه حول قائد الكشافة ومال بجسده فجعله كنفا مريحا، وخلال ثلاث دقائق كان يضم إليه الصغير المتعب لحد الإنهاك في منتصف اليوم والذي استغرق في نوم عميق.
حين وصلا إلى المستشفى هز جيمي قائد الكشافة برفق، فاستيقظ الصغير في الحال بعينين تطرفان وابتسامة تودد، استعدادا لإثبات أنه لم يكن الشخص الذي استغرق في النوم؛ فذلك الشخص دون الكل منتبه دائما وطالما كان كذلك. وبمجرد دخولهما المستشفى مد قائد الكشافة يده إلى يد جيمي، وتزاحم معه، وسار إلى المصعد وراح يخطو مثل القطة في الأروقة الطويلة.
من الواضح أن قدومهما كان متوقعا. فقد كان باب سيد النحل مفتوحا؛ بينما مد ستار ليحجب الفراش عن أعين العابرين. أرسل قائد الكشافة نظره في أنحاء الحجرة ونحو النافذة المفتوحة، ثم لكز جيمي بمرفقه لكزة حادة. «هل لاحظت أن ورود مارجريت كاميرون تتناقص تفتحا مؤخرا؟»
كان الصوت هامسا؛ لكن سمعه جيمي وابتسم حين لاحظ الزهور، ثم سمع همسا آخر. «إنها دائمة التقرب إليه. فهي تعتقد أنه من ممتلكاتها الخاصة. لقد أوشكت أكثر من مرة أن تضحي بأغلى ما لديها مقابل أن أرحل لمنزلي، لكن ما دام سيد النحل يقول «ابق»، فسأبقى!»
دار جيمي حول الستار وتبعه قائد الكشافة وظل واقفا في الخلف حتى صافح جيمي سيد النحل وتنحى جانبا. عندئذ تقدم الكشافة الصغير قبالة فراش سيد النحل، بعينين متسعتين، وألقى نظرة متملية فتبدل لونه، تبدل رويدا من شفتين حمراوين ووجنتين مضرجتين حمرة إلى اللون الأبيض. لكنه ضم كعبيه محدثا صوتا. ووقف الجسد مستقيما بشدة. كانت التحية حسب الأصول وسريعة لأقصى درجة. وكانت الابتسامة المنبسطة على أساريره الصغيرة ودودة. فمد سيد النحل يدين مرتعشتين وعلى نحو مفاجئ - ظن جيمي أنه لم ير قط حركة سريعة جدا هكذا؛ فهو لم يعرف كيف قطعت المسافة التي بينهما - قفز الجسد الصغير وغاص في الفراش. وقد أحسن سيد النحل التقاطه، وإن كان قد التقط أنفاسه في الوقت نفسه؛ لأنه بهت من مفاجأة القفزة. لكنه ضم الكشافة الصغير بشدة بين ذراعيه، وتعلق الطفل تماما بصدر سيد النحل. أمسكت يد صغيرة بالرأس العجوز الأبيض من الجانبين، وانهال على وجه سيد النحل وابل من القبل القصيرة الحارة من جبهته لذقنه. جلس الكشافة الصغير منتصب القامة على الفراش وإذ بغتة تدفقت دموع كبيرة واحدة تلو الأخرى على الوجه الطفولي، وانطلق نحيب قصير حاد جرحه أنفذ من السكين: «يا إلهي ! أتمنى لو لم تعان كل ذلك العناء!»
صفحه نامشخص