قال جيمي: «لا شك أن هذا يفي بالغرض!»
وبعدئذ؛ لأنه جيمي، ولأن تنشئته الأولى متأصلة فيه، فقد أفرغ اللب في سلة الحوض وفتح الصنبور على المصفاة، وحين صارت نظيفة تماما مسحها بمنشفة معلقة فوق الحوض ووضعها في أشعة الشمس عند عتبة النافذة؛ ليتأكد تماما من أنها جفت كلية من دون أن تصدأ. ثم تناول ثوب سباحة سيد النحل من فوق المشجب المجاور للباب، وذهب إلى حجرته، فتجرد من ملابسه وأدخل قدميه في الثوب، وحين رفعه لعقد أزراره فوق كتفيه لم يكن واضعا أي شيء على سبيل الضمادات لجرحه سوى طبقة من الشاش ثبتها في مكانها على نحو بسيط بمنشفة وجه شبكها بدبابيس أمان. شعرت كتفاه العاريتان شعورا رائعا بالانعتاق. فكان مبتهجا بهجة امرأة قصت شعرها قصة جديدة.
منتعلا خفين قديمين لحماية قدميه الحساستين، ومتخذا دثارا هنديا لحماية جسده غير المعتاد على الشمس أن تلفحه، مع حفنة من المناشف، مضى جيمي في الممشى الخلفي، يمشي الهوينى، فخرج من البوابة، وبينما هو واقف هناك اختار موقعا بدت فيه أمواج الخليج الممتد أمامه نظيفة للغاية وبيضاء رغوية. ثم سلك طريقه بين أكمة زهور الربيع الذهبية ورعي الحمام التي كانت في انتظار برودة المساء لتكشف عن جمال وجوهها وتنشر في الهواء عبقها الرقيق.
متوخيا الحذر خطا جيمي بقدميه الحافيتين على الرمال الندية. وعلى مهل سار متقدما في المحيط. حين تكسرت أول الأمواج الباردة فوق قدميه كاد يصيح من البهجة. لم تكن شديدة البرودة كما تخيل أن تكون بالمرة. إنما كانت باردة بالقدر الذي يمنح شعورا منعشا بالبهجة. توغل قليلا، وتوغل قليلا، حتى وصل الماء إلى ركبتيه، ثم إلى خصره، ثم وصل لمرحلة شعر فيها أنه مثقل، فأدرك أنه يجب إما أن يسبح أو يعود أدراجه. إلا أنه لم يشعر أن السباحة هي أنسب ما عليه فعله؛ لذلك اكتفى كبداية بالتجول في أعمق أغوار استطاع الوصول إليها والحفاظ على توازنه فيها. لم يكن دوما باستطاعته أن يعرف كيف ستجري الأمواج، وكان أحيانا يتعثر في صخرة مستترة. وفي إحدى المرات انقلب على رأسه وشعر بموجة باردة، أثارت شيئا من الرعب، وشيئا من البهجة، تسري في دمه فيما اجتاحته تماما موجة أشد برودة من الماء المالح. نهض متعثرا على قدميه ونفض رأسه. ثم غاص واغترف ملء كفيه من الماء ودعك بها ذراعيه صعودا وهبوطا وكتفيه. وراح يطوح ذراعيه الطويلتين في المياه ويركلها بقدميه، وحين وجد نفسه يلهث، سار متجها نحو الشاطئ، ثم تعمد أن يغمر نفسه بالكامل في المكان الأشد نظافة والأكثر نقاء الذي تيسر له العثور عليه. لينهض بعد ذلك ويعود إلى دثاره. حيث هيأه، والمناشف التي أحضرها، بحيث تغطي ذراعيه وساقيه ورأسه، وتترك جذعه المغطى بالثوب المبلل مكشوفا، وتمدد على الرمال الساخنة وترك شمس كاليفورنيا تنشر أشعتها حتى جففت الماء المالح في الضمادة وثوب السباحة الذي علا جرح صدره وأحاط به. المذهل أنه لم يشعر فيها بوخز شديد كما تخيل مطلقا، فلم تضاه البتة ألم العديد من الضمادات المختلفة التي ظل يستخدمها حتى اكتوى لحمه فلم يعد يتحمل المزيد من التعذيب.
وهنا وجد جيمي نفسه يقول: «ملح، محلول ملحي.» تذكر فجأة أنه قد سمع عن استخدام السكان الأصليين في بلدان غير متحضرة الملح في علاج الجروح. تذكر بعض المؤسسات التي تروج للحمامات الملحية. لا بد أن الملح له خاصية مفيدة بعض الشيء ذات استخدام طبي. ثم تذكر أن الكشافة الصغير كان قد أخبره أن كل جالون مياه يغترف من المحيط الهادئ يحتوي على ثلاثة ونصف في المائة من الملح.
بعد الاستلقاء ساعة في الشمس، نهض جيمي وذهب لتناول غدائه، بعدها ظل واقفا عشرين دقيقة في الحديقة، ثم خلد لقيلولة. بعد ذلك شرب عصير برتقالتين ناضجتين، شربه باردا من تأثير ثلج الثلاجة الصغيرة. وفجأة خطر له، وهو يغلق الثلاجة، أنه قد يكون من المستحسن أن يعصر من الطماطم ملء كوبين أو ثلاثة أكواب ويودعه للثلج بحيث يشربه باردا. من ثم نزل إلى الحديقة وجمع الطماطم وهم بتنفيذ تلك الفكرة.
وبينما وقف في المطبخ يعصر الطماطم تصاعد من أسفل النافذة صوت أقدام مندفعة وتعالت في الجو سلسلة صيحات مفزعة. سقطت الطماطم التي كان جيمي حريصا أشد الحرص ألا تسقط، فتمتم متعجبا وهو يستعيدها، ليغمرها بالماء تحت الصنبور ويضعها في صحن. ثم ذهب إلى الباب الخلفي ليرى ماذا عساها تكون تلك الجلبة.
وقف أمامه الكشافة الصغير منتصب القامة في زاوية قائمة بشكل مبالغ فيه، مؤديا تحية سريعة كما اعتاد أن يرى في كل مكان. واصطف على الممشى ثلاثة أطفال لم يكن ثمة أدنى شك بشأن جنسهم.
أشار الكشافة الصغير إلى الطفل الأول في الصف.
قال جيمي محدثا نفسه: «أحد عشر، وربما اثنا عشر عاما.»
صفحه نامشخص