تقدم قائد الكشافة وانحنى عند أحد زوايا الصندوق، ونظر عن يمينه وعن يساره ثم قال بتهذيب: «أرجوك أن تحملي الطرف الآخر. فهذه الأبسطة عتيقة هي الأخرى ولا يجوز جر الأثاث فوقها، كما أن صندوقك يزيد عن حجمي مرتين، مع أنه مجرد صندوق أمتعة .»
ترددت الآنسة ورذينجتون لوهلة ثم تناولت الطرف الآخر للصندوق وساعدت في حمله إلى غرفة نوم سيد النحل. نظر الكشافة الصغير إلى خزانة الملابس المفتوحة التي أخذت منها ملابس جيمي، والأدراج المفتوحة التي أخذ منها متعلقاته، فهاجت بداخله مشاعر غضب كادت تخل بطابع الرصانة الذي حاول قائد الكشافة الصغير الحفاظ عليه. كان التساؤل الذي طرأ في الرأس الصغير آنذاك هو ما إن كان بقبضات محكمة بما يكفي وعضلات مفتولة كما ينبغي قادرا على مهمة إلقاء هذه الدخيلة من النافذة لتهبط على جانب شديد الانحدار من الجبل يؤدي بها إلى البحر. لكن عقل الصغير هو الذي علا صوته. «امض وألق بها من النافذة! أغلب الظن أن جيمي ضخم الجثة رقيق القلب سيكون واقفا بالخارج ليتلقفها في ملاءة ويحملها إلى الداخل ويضعها في الفراش ويظل واقفا طوال الليل بنفسه ليرى إن كانت ستفتح ذلك الصندوق أم لا، واحتمال ألا يمنعها إن فعلت. فما الفائدة إن رميتها؟ فإنه لن ينفعني شيئا. من الأفضل أن ألازم المكان وأواصل مهمتي فحسب لأرى ماذا ستفعل.»
من ثم أدى قائد الكشافة عددا لا حصر له من المهام وشاهد ودماؤه تكاد تغلي حرفيا المنزل وهو يفتش من أعلاه لأدناه. فقد أفرغت الأدراج، ونقلت الكتب من أماكنها على الرفوف. حتى نفد أخيرا صبر الكشافة الصغير. «حسنا، ما الذي يثير جزعك؟»
فزعت الآنسة ورذينجتون بعض الشيء. «هل تعتقدين أنك ستعثرين على جوهرة كوهينور أو طبول الخطر؟»
سألت الآنسة ورذينجتون بحدة: «ماذا تقصد؟»
فقال قائد الكشافة: «يبدو غريبا جدا أن أسمعك تقولين إنك الآنسة ورذينجتون، ثم تتحدثين بلهجة دارجة. أعتقد أن سيد النحل كان سيعلمك وأنت في الثانية من عمرك تقريبا أن تتحدثي بلهجة رصينة، ولم أفترض أنك ستعرفين ما الذي كنت أشير إليه، لكن من الغريب أنه لم يثقف ابنته. فهو من علمني أن كوهينور هي أكبر ماسة في العالم، أما طبول الخطر فهي أكبر أحجار زمرد. لقد علمت بها من أحد الأفلام. لقد كان مثيرا أيضا. وبه فتاة غاية في الحسن، فتاة داكنة العينين والشعر وتضع كمية معقولة من أحمر الشفاه ومساحيق زينة بسيطة، وكانت تجيد التمثيل علاوة على ذلك! أرى أنها إنما كانت رائعة!»
فقالت الآنسة ورذينجتون: «ما دمت قد تعلمت تعليما رفيعا فلماذا تتحدث العامية؟»
ضحك الكشافة الصغير. «أوه، لا بد أن أستخدم هذا النوع من اللغو حتى أحافظ على حظوتي لدى فتيان الكشافة. فإنني إن تحدثت معهم بالأسلوب الذي يجعلني أبي أتحدث به في البيت فلن أبقى قائد الكشافة على مجموعتي مدة طويلة. إننا حين نلعب نمثل أدوار هنود وقطاع طرق وقراصنة وأشياء من ذلك القبيل، ونتحدث بتلك الطريقة ليبدو الأمر أكثر واقعية، وعلى أي حال لا أحد يتوقع من طفل في العاشرة من العمر أن يتحدث مثل امرأة في الثلاثين.»
قالت الآنسة ورذينجتون محتدة: «لست في الثلاثين!»
فقال قائد الكشافة: «معذرة، أعلم أنك دنوت من الأربعين. وإنما قلت ثلاثين من باب التأدب.»
صفحه نامشخص