مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
منذ عهد بعيد، يزيد على عشرين عاما، والأدب العربى بالأندلس يأسرنى أسرا شديدا، فأقبلت على جمع مصادره، وقراءة نصوصه التاريخية والفكرية والأدبية، ومتابعة نشاط الباحثين فى ميادينه عسى أن يحين وقت أفرغ له، وأدلى بنصيب فى أبحاثه، وكان يشغلنى طوال هذا الوقت ميدان آخر للبحث الأدبى، وهو ميدان الأدب العربى: جاهليّه وإسلاميّه وعباسيه، ولم أشعر أننى بعيد فى هذا عن الأدب الأندلسى، فقد رأيت أن أدب المشرق كان قائدا لأدب المغرب، ونموذجا له يحتذيه قبل أن يحدد لنفسه شخصيته، ويسكب فيه من روحه ويطبعه بطابعه.
وكان أن قيّض الله لى أن أزور الأندلس أكثر من مرة، وأن أعيش فى ربوعه أكثر من عام، غير مرتبط. فيه بدراسة معينة، أو الحصول على درجة علمية خاصة، فأخذت أجول بين مكتباته، وأجمع ما يقدر مثلى على جمعه من كتب وأبحاث باللغتين العربية والإسبانية، كما اتصلت بالمستشرقين الأسبان، وكان لى منهم أصدقاء، وتابعت ما يقومون به من أبحاث فى تراثنا المشترك.
وربما كانت زياراتى لمدن الأندلس العربية مثل طليطلة وقرطبة وأشبيلية وغرناطة ومالقة وبلنسية وغيرها من تلك المدن التى كنت أتنسم رائحة التاريخ فى شوارعها وحاراتها وآثارها الإسلامية أكبر الأثر فى إصرارى على أن أشارك فى هذا الميدان الأدبى، فقد كنت أشعر وأنا أدخل منازلها، وأدق بقدمى على بلاط. شوارعها
1 / 5