المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني - رحمه الله تعالى -
تأليف
الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي
(٥٤١ هـ - ٦٢٠ هـ)
قدم له وترجم لمؤلفه
الشيخ عبد القادر الأرناؤوط
حققه وعلق عليه
محمود الأرناؤوط وياسين محمود الخطيب
صفحه نامشخص
حُقُوق الطبعُ مَحْفُوظَة
الطبعة الأولى
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
الناشر
مكتبَة السوادي للتوزيع
ص. ب: ٤٨٩٨ - جدة: ٢١٤١٢ - ت: ٦٨٨٤٢١٢
فاكس: ٦٨٧٨٦٦٤
1 / 4
بِسمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحَيمِ
تقديم الكتاب
بقلم
فضيلة المُحَدِّث المحقِّق الفقيه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط
خادم السُّنَّة النبوية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد: فإن كتاب "المقنع في فقه الإِمام أحمد بن حنبل" للإمام العلاَّمة الفقيه موفق الدِّين بن قدامة المقدسي (١)، من خيرة كتب الفقه الحنبلي المختصرة المعتمدة من قبل علماء المذهب الحنبلي منذ عصر مؤلفه وإلى أيامنا، وقد تداولته أيدي العلماء وطلبة العلم دراسة وتدريسًا، وتخرَّج به عدد كبير من طلبة العلم في الشام ومصر وغيرهما من أمصار الأمة الكبرى، ونسخت منة نسخ خطية كثيرة في بلدان مختلفة ولا سيما في الشام والصالحية، وقد امتدت إليه أيدي عدد من العلماء في العصر الحديث تنشره وتعرّف الناس به، ولقي القبول من قبل الكثير من
_________
(١) انظر ترجمته بقلمي عقب هذا التقديم.
1 / 5
المعاهد والكليات الشرعية الإسلامية في المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، ولكنه لم ينل حظه من التحقيق والتدقيق والتعليق، فأحب ولدي وتلميذي العزيز (الأستاذ محمود الأرناؤوط) أن يقدمه للعلماء وطلبة العلم محقَّقًا مدقّقًا لأول مرة، وأشرك معه في تحقيقه (الأستاذ ياسين محمود الخطيب) وقاما معًا بتحقيقه تحقيقًا متقنًا يشكران عليه، واعتمدا في عملهما نسختان خطيتان، وضبطا نصوصه، وخرَّجا أحاديثه، وعلقا عليه تعليقات مفيدة نافعة، فخرج الكتاب بذلك مستوفيًا شروط النشر العلمي المتقن فيما أرى، فجزاهما الله تعالى خيرًا ونفع بهما، وبارك لناشر الكتاب في ماله لإنفاقه على إصداره بهذا القدر من الإتقان.
والله أسأل أن ينفع العلماء وطلبة العلم في بلدان الأُمَّة بهذه الطبعة الجديدة من هذا الكتاب القيّم، وأن تعتمد في الكليات والمعاهد الشرعية، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
دمشق الشام في غرة ربيع الآخر لعام ١٤٢٠ هـ
خادم السُّنَّة النبوية
عبد القادر الأرناؤوط
* * *
1 / 6
ترجمة المؤلف (*)
هو الإمام الفقيه الزاهد شيخ الإسلام أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي.
ولد في شعبان سنة (٥٤١) هـ ببلدة جمَّاعيل من أعمال نابلس قرب بيت المقدس من أرض فلسطين، وكان الصليبيون في ذلك الوقت قد استولوا على بيت المقدس وما حوله من البقاع، فهاجر والده أبو العباس أحمد ابن قدامة -رئيس ذلك البيت المبارك وتلك الشجرة الطيبة- بأسرته إلى دمشق مع ابنيه أبي عمر، وموفق الدين، وابن خالتهما الحافظ عبد الغني المقدسي، نحو سنة (٥٥١) هـ (١) فنزلوا في مسجد أبي صالح
_________
(*) ترجمته في "معجم البلدان" (٢/ ١٦٠) و"مرآة الزمان" (٨/ ٦٢٧) (مخطوط) و"التكملة لوفيات النقلة" (٣/ ١٠٧) و"ذيل الروضتين" ص (١٣٩) و"تاريخ الإسلام" (٦٢/ ٤٣٤) و"سير أعلام النبلاء" (٢٢/ ١٦٥) و"دول الإسلام" (٢/ ١٢٨) و"العبر" (٥/ ٧٩) و"المختصر المحتاج إليه" (٢/ ١٣٤) و"الوافي بالوفيات" (١٧/ ٣٧) و"فوات الوفيات" (٢/ ١٥٨) و"ذيل طبقات الحنابلة" (٢/ ١٣٣) و"ذيل التقييد" (٢/ ٢٧) و"النجوم الزاهرة" (٦/ ٢٥٦) و"المقصد الأرشد" (٢/ ١٥) و"المنهج الأحمد" (٤/ ١٤٨) و"القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية" (٤٦٥) و"شذرات الذهب" (٧/ ١٥٥) و"الأعلام" (٤/ ٦٧) و"معجم المؤلفين" (٢/ ٢٢٧) طبع مؤسسة الرسالة.
(١) وللحافظ ضياء الدين المقدسي كتاب في سبب هجرة المقادسة إلى دمشق، وهو مخطوط لم يطبع بعد.
1 / 7
ظاهر باب شرقي بدمشق، ثم انتقلوا بعد سنتين من مسجد أبي صالح إلى جبل قاسيون في صالحية دمشق، وفي خلال هذه المدة كان موفق الدين يحفظ القرآن ويتلقى مبادئ علومه على أبيه أبي العباس -وكان من أهل العلم والفضل والزهد والصلاح- ثم تتلمذ على شيوخ دمشق وعلمائها، وحفظ "مختصر الخرقي" في فقه الإمام أحمد، وغيره من الكتب، وما زال يتقدم حتى بلغ العشرين من عمره، فقام برحلة إلى بغداد وبصحبته ابن خالته الحافظ عبد الغني المقدسي، وكانا في سِنٍّ واحدة، وأقاما مدة يسيرة عند الشيخ عبد القادر الجيلاني ببغداد، وكان الشيخ عبد القادر في التسعين من عمره، فقرأ موفق الدين عليه "مختصر الخرقي" قراءة فهم وتدقيق، لأنه كان يحفظه في دمشق كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، ثم توفي الشيخ عبد القادر الجيلاني ﵀، فلازم موفق الدين الشيخ أبا الفتح ابن المَنِّي، وقرأ عليه المذهب والخلاف، ولبث في بغداد أربع سنين، وسمع بها أيضًا من هبة الله بن الدقاق وغيره، ثم رجع إلى دمشق فأقام في أهله مدة وعاد إلى بغداد سنة (٥٦٧) هـ، فأمضى سنة أخرى، سمع فيها من أبي الفتح بن المنِّي وعاد إلى دمشق وبقي فيها، وقصد الديار الحجازية سنة (٥٧٤) هـ لأداء فريضة الحج، وعاد إلى دمشق، وشرع بتأليف كتابه العظيم "المغني" وهو شرح مطوَّل لكتاب "مختصر الخرقي" ويعد من مفاخر التأليف في الفقه الحنبلي خاصة والفقه الإسلامي بصورة عامة (١). وقد قال فيه سلطان العلماء العز بن عبد السلام: لم تطب
_________
(١) وقد قام بتحقيقه وتخريج نصوصه وضبط ألفاظه وإعداد فهارسه الأستاذ الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور عبد الفتاح الحلو، ونشرته دار هجر بالقاهرة، وهي أفضل طبعات الكتاب وأوسعها انتشارًا.
1 / 8
لي الفتيا حتى كانت عندي نسخة من "المغني".
وكان طلبة العلم يتلقون الدروس عليه في الفقه والحديث وغير ذلك من العلوم، وقد تفقه عليه خلق كثير، منهم ابن أخيه شمس الدين بن أبي عمر وطبقته.
وكان إلى ذلك يواصل التأليف والتصنيف في أنواع شتى من العلوم والفنون، لا سيما الفقه الذي حذقه وصنف فيه العديد من الكتب التي تشهد بعلو كعبه فيه، حتى أصبح عَلَمًا يشار إليه بالبنان، وتتحدث بفضائله ومناقبه وعلومه الركبان.
أقوال العلماء فيه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من الموفق.
وقال ابن الصلاح: ما رأيت مثل الموفق.
وقال سبط ابن الجوزي: من رأى الموفق فكأنما رأى بعض الصحابة، وكان النور يخرج من وجهه.
وكان إمامًا في فنون كثيرة، ولم يكن في زمانه بعد أخيه أبي عمر والعماد أزهد ولا أورع ولا أعلم منه.
وكان كثير الحياء، عزوفًا عن الدنيا وأهلها، هينًا، لينًا، متواضعًا، محبًا للمساكين، حسن الأخلاق، جوادًا، سخيًا.
وكان كثير العبادة، غزير الفضل، ثابت الذهن، شديد التثبت في علمه، دائم السكون، قليل الكلام، كثير العمل، يستأنس الإنسان برؤيته قبل كلامه. ومناقبه كثيرة.
1 / 9
وقد ألف الحافظ ضياء الدين المقدسي في سيرته كتابًا (١)، وكذلك الحافظ الذهبي (٢).
ولم يقتصر أمره ﵀ على العلم والتقوى، بل كان مجاهدًا في سبيل الله مع البطل المسلم المجاهد السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي جند المسلمين سنة (٥٨٣) هـ لطرد الصليبيين وتطهير الأرض المقدسة من رجسهم، فقد ذكر من ثم للموفق أنه هو وأخوه أبو عمر وتلاميذهما وبعض أفراد أسرتهما كانوا تحت هذه الألوية المظفرة، وكان لهما ولتلاميذهما خيمة يتنقلون بها مع المجاهدين في سبيل الله حيثما حلّوا.
وقد خلَّف ﵀ من المصنفات المفيدة والمؤلفات النافعة في الفقه وغيره الشيء الكثير.
منها: "العمدة" للمبتدئين، و"المقنع" للمتوسطين، و"الكافي" للمتقدمين، وذكر فيه من الأدلة ما يتوصل الطلبة للعمل بالدليل، و"المغني" شرح "مختصر الخرقي" وقد ذكر فيه مذاهب العلماء والأدلة ليعلم من كان عنده أهلية طرق الاجتهاد، و"روضة الناظر" في أصول الفقه، و"مختصر في غريب الحديث" و"البرهان في مسألة القرآن" و"القدر" و"فضائل الصحابة" و"المتحابين في الله" و"الرِّقَّة والبكاء" و"ذم الموسوسين" و"ذم التأويل" و"التبيين في نسب القرشيين"
_________
(١) وهو أيضًا في سيرة الحافظ عبد الغني المقدسي، وسيرة العماد إبراهيم، وسيرة الشيخ أبي عمر، وسماه: "سير المقادسة" ومنه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق وهو جدير بالتحقيق والنشر.
(٢) انظر مقدمة الأستاذ الدكتور بشار عواد معروف لكتاب "سير أعلام النبلاء" ص (٨٢).
1 / 10
و"مناسك الحج" و"لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد" (١) و"كتاب التوابين" (٢)، وغيرها.
توفي ﵀ يوم عيد الفطر، سنة (٦٢٠) هـ، ودفن في سفح جبل قاسيون بصالحية دمشق فوق جامع الحنابلة.
خادم السنة النبوية
عبد القادر الأرناؤوط
* * *
_________
(١) وقد قمت بتحقيقه منذ سنوات طويلة، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق، ثم دار الهدى بالرياض.
(٢) وقد قمت بتحقيقه منذ سنوات طويلة، ونشرته مكتبة دار البيان بدمشق، ثم دار الكتب العلمية ببيروت.
1 / 11
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة التحقيق
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا ورسولنا وقدوتنا وقرَّة أعيننا محمد وعلى آله وأصحابه الطَّيبين الطاهرين.
وبعد: فإن كتاب "المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني" من أفضل كتب المذهب الحنبلي المختصرة، وقد صنَّفه الإمام العلاَّمة الفقيه موفق الدين بن قدامة المقدسي كبير فقهاء المقادسة في الشام في عصره، وأصبح العمدة في شؤون تدريس المذهب لفترة طويلة من الوقت، وكتبت له الشهرة فقام بشرح ألفاظه شرحًا وافيًا الإمام شمس الدِّين محمد بن أبي الفتح البعلي وذلك في كتابه "المطلع على ألفاظ المقنع" (١). وقد اطلعنا على الطبعات السابقة من كتاب "المقنع" ونظرنا في الجهود المبذولة في إخراجها، ورأينا أنه لا بد من إعادة إخراج الكتاب إخراجًا جديدًا محققًا تحقيقًا علميًا وفق مناهج التحقيق المتعارف عليها بين جماهير المحقّقين المتقنين في أيامنا. وللقيام بذلك كان لا بد لنا من البحث عن أصول خطية للكتاب، فوفقنا إلى الحصول على نسختين خطيتين من الكتاب من خزانة المصورات الخطية بمعهد المخطوطات العربية، وكلتاهما مما صوَّره
_________
(١) وقد قمنا بتحقيقه، وهو تحت الطبع، وسيصدر قريبًا إن شاء الله تعالى.
1 / 13
المعهد من مكتبة شستربتي في دبلن بأيرلندا، وقابلنا النسخة المتوافرة بين أيدينا مما طبع من الكتاب سابقًا -وهي مصورة دار الكتب العلمية ببيروت عن الطبعة الصادرة منذ سنوات طويلة في مصر بعنايه الأستاذ الشيخ محمد حامد الفقي رئيس جماعة أنصار السُّنَّة المحمدية بالقاهرة- على النسختين الخطيتين، وأثبتا الفروق الجوهرية فيما بين النسخ الثلاثة، وتثبّتنا من صحة نصوص الكتاب، وضبطنا نصوصه بما يوافق صواب ما جاء في النسخ الثلاثة، وقد رمزنا للنسخة الجيدة من المخطوطتين بحرف (ش) وللنسخة المساعدة بحرف (م) وللنسخة المطبوعة بحرف (ط) مما أشير إليه من الفروق في حواشي الكتاب.
ثم قمنا في عملنا بالتحقيق بما يلي:
١ - ضبط المشكل أمره من النصوص وتفصيلها.
٢ - ترقيم الآيات الواردة في تصانيف النصوص.
٣ - تخريج الأحاديث التي استشهد بها المؤلف مع بيان ما قاله العلماء المُحدِّثون في الحكم عليها.
٤ - التعريف بالأعلام.
٥ - ردّ النقول إلى مصادرها ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
٦ - إعداد فهرس للمصادر والمراجع المعتمدة في تحقيق الكتاب وآخر لموضوعات الكتاب.
هذا ما قمنا به في تحقيقنا للكتاب، فإن أحسنا فذلك مما عملنا له جاهدين، وإن أخطانا ووهمنا فذلك شأن الناس في كل زمان ومكان، من الوقوع في التقصير والوهم.
وختامًا نتوجه بشكرنا الجزيل للأستاذ المحدِّث المحقِّق الفقيه الشيخ
1 / 14
عبد القادر الأرناؤوط خادم السُّنَّة النبوية بدمشق الشام، لتفضله بالتقديم للكتاب والتعريف بمؤلفه، فجزاه الله تعالى خيرًا ونفع طلبة العلم من المسلمين به.
ولمن كان السبب في طبع الكتاب وإخراجه في طبعته الجديدة هذه، والتي نرجو مخلصين أن تحظى بالقبول من العلماء وطلبة العلم إن شاء الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
دمشق في الأول من شهر ربيع الأول لعام ١٤٢١ هـ.
المحققان
* * *
1 / 15
راموز الصفحة الأولى من مصورة النسخة (ش) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه
1 / 17
راموز الصفحة الأخيرة من مصورة النسخة (ش) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه
1 / 18
راموز الصفحة الأولى من مصورة النسخة (م) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه
1 / 19
راموز الصفحة الأخيرة من مصورة النسخة (م) المعتمدة في تحقيق الكتاب وإخراجه
1 / 20
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة المؤلِّف]
(قال الشيخ الإِمام العالم الأوحد الصدر الكبير شيخ الإِسلام موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قدَّس الله روحه ونوَّر ضريحه) (١):
الحمد لله المحمود على كل حال، الدائم الباقي بلا زوالٍ، الموجد خلقه على غير مثال، العالم بعدد القطر وأمواج البحر وذَرَّات الرِّمَالِ، لا يَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في الأرض ولا في السماء ولا تحت أطباق الجبال، ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ (٢) وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾.
وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله خير آل، صلاة دائمة بالغدو والآصال.
أما بعد: [فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإِمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشَّيباني ﵁، اجتهدت في جمعه وترتيبه، وإِيجازه وتقريبه، وسطًا بين القصير والطويل، وجامعًا لأكثر الأحكام عريَّةً عن (٣)] الدليل والتعليل، ليكثر علمه، ويَقِلَّ حجمه، ويَسْهُلَ حفظه وفهمه، ويكون (مقنعًا) لحافظيه، نافعًا للناظر فيه.
_________
(١) ما بين القوسين زيادة من "ش".
(٢) غير مقروء في "م" والمثبت يوافق "ش".
(٣) ما بين الرقمين مقروء بصعوبة في "م" واضح في "ش". وعريَّة: من العُرْي وهو خلاف اللبس (القاموس عري).
1 / 21
والله سبحانه (١) المسؤول أن يبلّغنا أمَلنا، ويُصلح قولنا وعَملنا، ويجعل سعينا مُقَرِّبًا إِليه، ونافعًا برحمته لديه (٢).
* * *
_________
(١) سبحانه: ليست في "ط".
(٢) كذا في "م" وفي "ش": ونافعًا لديه بمنه وكرمه.
1 / 22
كتاب الطَّهَارَة
باب المياه
وهي ثلاثة أقسام: ماء طهور وهو الباقي على أصل خلقته، وما تغير بمكثه (١)، أو بطاهر لا يمكن صونه عنه كالطحلب وورق الشجر، أو لا يخالطه كالعود (١) والكافور والدّهن، وأما ما أصله [الماء كالملح البحري، أو ما تروّح بريح منتنة (٢)] إِلى جانبه، أو سخن بالشمس أو بطاهر، فهذا كله طاهر مطهّر، يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس، غير مكروه استعماله (٣). وإِن سخن بنجاسة فهل يكره استعماله؟ على روايتين.
فصل
القسم الثاني: ماء طاهر غير مطهر، وهو ما خالطه طاهر فغير اسمه، أو غلب على أجزائه، أو طبخ فيه فغيَّره (٤).
فإِن غيَّر أحد أوصافه: لونه، أو طعمه، أو ريحه، أو استعمل في رفع حدث، أو طهارة مشروعة: كالتجديد، وغسل الجمعة، أو غمس فيه يده قائم من نون الليل قبل غسلها ثلاثًا فهل تُسلب طهوريته؟ على روايتين.
_________
(١) اللفظة غير مقروءة في "م" بسبب التصوير.
(٢) ما بين الرقمين كذا في "م" بيد أنه غير مقروء بسبب التصوير أيضًا.
(٣) كذا في "م" وفي "ش" و"ط": الاستعمال.
(٤) اللفظة ليست في "م" استدركت من "ش" و"ط".
1 / 23
وإِن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرًا أو قبل زوالها فهو نجس. وإِن انفصل غير متغير بعد زوالها فهو طاهر إِن كان المحل أرضًا، وإِن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين. وهل يكون طهورًا؟ على وجهين. وإِن خلت بالطهارة منه امرأة فهو طهور، ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب.
فصل
القسم الثالث: ماء نجس: وهو ما تغير بمخالطة النجاسة، فإِن لم يتغير وهو يسير فهل ينجس؟ على روايتين. وإِن كان كثيرًا فهو طاهر، إِلا أن تكون النجاسة بولًا أو عذرة مائعة ففيه روايتان:
إِحداهما: لا ينجس.
والأخرى: ينجس إِلا أن يكون مما لا يمكن نزحه لكثرته فلا ينجس.
وإِذا انضم إِلى الماء النجس ماء طاهر كثير طهره إِن لم يبق فيه تغير. وإِن كان الماء النجس كثيرًا فزال تغيره بنفسه أو بنزح بقي بعده (١) كثير طهر. وإِن كوثر بماء يسير أو بغير الماء فأزال التغير لم يطهر ويتخرج أن يطهر.
والكثير ما بلغ قلتين، واليسير ما دونهما، وهما خمسمائة رطل بالعراقي. وعنه أربعمائة. وهل ذلك تقريب أو تحديد؟ على وجهين.
وإِذا شك في نجاسة الماء أو كان نجسًا فشك في طهارته بنى على اليقين. وإِن اشتبه الماء الطاهر بالنجس لم يتحر فيهما على الصحيح من المذهب، ويتيمم.
_________
(١) في "ش": بعد.
1 / 24