بسم الله الرحمن الرحيم قال محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه: إن أحق ما بدء الكتاب به حمد الله بجميع محامده، والثناء عليه بما هو أهله، ثم الصلاة على رسوله محمد المصطفى، وعلى آله الطاهرين.
الحمد لله الذي حجب الأبصار عن رؤيته، وتفرد بكبريائه، وعز في ذاته، وعلا في صفاته، الذي ليس لأوله ابتداء، ولا لآخره انقضاء، الذي كان قبل كل شيء، ويكون بعد كل شيء، الذي قدرته عن العجز مرتفعة، وقوته من الضعف ممتنعة، الذي هو في سلطانه قوي، وفي ملكه عظيم، وهو سبحانه بر رحيم وبالمؤمنين من عباده رؤوف رحيم، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الذي يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، الذي لا
صفحه ۳
تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها واحدا أحدا فردا صمدا، لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى بشيرا، ومن النار نذيرا، وإلى الجنة هاديا ودليلا، فجاهد في الله حق جهاده، وعبده مخلصا حتى أتاه اليقين فصلوات الله عليه، وعلى آله الطاهرين.
وأشهد أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتقين، ووصي رسول رب العالمين، وأشهد أن الأئمة الراشدين المهديين المعصومين المكرمين من ولده، اصطفاهم الله لدينه، واجتباهم لسره، وفضلهم على خلقه، وأعزهم بهداه، وخصهم ببرهانه، وانتجبهم لنوره، وأيدهم بروحه، ورضيهم خلفاء في أرضه، وحججا على بريته، وأنصارا لدينه، وحفظة لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركانا لتوحيده، وعصمهم من الزلل، وطهرهم من الدنس، وأذهب عنهم الرجس وآمنهم من الخوف، فعظموا جلاله ، وكبروا شأنه، ومجدوا كرمه ، ووكدوا من ميثاقه، ودعوا إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلوا أنفسهم في مرضاته وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في الله حق جهاده حتى أعلنوا دعوته، وبينوا فرائضه، وأقاموا حدوده، وشرعوا أحكامه ، وسنوا سننه .
وأشهد أن الحق لهم ومعهم وفيهم ومنهم وإليهم، فهم أهله ومعدنه، وأن
صفحه ۴
من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، ومن جهلهم خاب، ومن فارقهم ضل، ومن تمسك بهم فاز، ومن لجأ إليهم أمن ، ومن صدقهم سلم، أسأل الله أن يجعل على ذلك محياي ومماتي ونشري وبعثي وحشري ومنقلبي بتفضله ومنه وتوفيقه، إنه على كل شيء قدير.
قال محمد بن علي: ثم إني صنفت كتابي هذا، وسميته كتاب «المقنع» لقنوع من يقرأه بما فيه، وحذفت الأسانيد منه لئلا يثقل حمله، ولا يصعب حفظه، ولا يمل قارئه، إذ كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجودا مبينا عن المشائخ العلماء الفقهاء الثقاة رحمهم الله، أرجو بذلك ثواب الله، وأبتغي به مرضاته، وأطلب الأجر عنده، فسبحان الله إن أريد بما تكلفت (غير ذلك) ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وبالله للصواب أرتشد، وعلى التوفيق للهدى أعتمد ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
صفحه ۵
[أبواب الطهارة]
1 باب الوضوء
إذا أردت دخول الخلاء فقنع رأسك ، وأدخل رجلك اليسرى قبل اليمنى وقل: بسم الله وبالله ولا إله إلا الله، اللهم لك الحمد، إعصمني من شر هذه البقعة وأخرجني منها سالما، وحل بيني وبين طاعة الشيطان .
وإذا فرغت من حاجتك فقل: الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وشرابي، وعافاني من البلوى .
صفحه ۷
ولا تطمح ببولك من السطح، ولا من الشيء المرتفع في الهواء .
ولا تبل قائما من غير علة، فإنه من الجفاء، ولا تستنج بيمينك فإنه من الجفاء .
ولا تطل جلوسك على الخلاء فإنه يورث البواسير .
واتق شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع اللعن، وهي أبواب الدور .
وروي لعن الله المتغوط في ظل النزال، والمانع الماء المنتاب ، والساد الطريق
صفحه ۸
المسلوك .
ولا تستنج وعليك خاتم عليه اسم الله حتى تحوله ، وإذا كان عليه اسم محمد - صلى الله على وآله وسلم - فلا بأس بأن لا تنزعه .
وإذا أردت الخروج من الخلاء فأخرج رجلك اليمنى قبل اليسرى ، وقل: الحمد لله على ما أخرج عني من الأذى في يسر وعافية، يا لها نعمة .
فإذا أردت الوضوء، فأغسل يدك من البول مرة، ومن الغائط مرتين، ومن النوم مرة .
وعليك بوضوء أمير المؤمنين - عليه السلام - فإني رويت: أنه - عليه السلام - كان
صفحه ۹
جالسا ذات يوم، وعنده ابنه محمد بن الحنفية، قال: يا محمد إئتني بإناء من ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه، فأكفى بيده اليسرى على يده اليمنى، وبيده اليمنى على يده اليسرى، ثم قال: بسم الله، والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا.
ثم استنجى فقال: اللهم حصن فرجي، وأعفه ، واستر عورتي، وحرمني على النار.
ثم تمضمض فقال: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك.
ثم استنشق فقال: اللهم لا تحرم علي ريح الجنة، واجعلني ممن يشم ريحها، وروحها، وطيبها.
ثم غسل وجهه فقال: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
ثم غسل يده اليمنى فقال: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد (في الجنان) بيساري، وحاسبني حسابا يسيرا.
ثم غسل يده اليسرى فقال: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران.
ثم مسح رأسه فقال: اللهم غشني برحمتك ، وظللني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.
ثم مسح على قدميه فقال: اللهم ثبتني على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، وأجعل سعيي فيما يرضيك عني.
صفحه ۱۰
ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد وقال : يا محمد من توضأ مثل وضوئي هذا ، وقال مثل قولي، خلق الله من كل قطرة ملكا يقدسه، ويسبحه، ويكبره، فيكتب الله تبارك وتعالى له ثواب ذلك إلى يوم القيامة .
وأعلم أن الوضوء مرة، واثنتين لا يؤجر ، وثلاثة بدعة .
وإن بلت، فذكرت بعد ما صليت أنك لم تغسل ذكرك، فأغسل ذكرك، وأعد الوضوء للصلاة .
وكان أمير المؤمنين - عليه السلام - إذا توضأ للصلاة ، لا يترك أحدا يصب
صفحه ۱۱
عليه الماء، فسئل عن ذلك، فقال: لا أحب أن اشرك في صلاتي أحدا .
ولا ينقض وضوؤك إلا من أربعة أشياء: من بول، أو غائط، أو ريح ، أو مني ، وما سوى ذلك من القيء، والقلس ، والقبلة، والحجامة، والرعاف ، والوذي ، والمذي ، فليس فيه إعادة وضوء .
صفحه ۱۲
وكل ما لم يجب فيه إعادة الوضوء، فليس عليك أن تغسل ثوبك منه .
وإن نسيت أن تستنجي بالماء، وقد تمسحت بثلاثة أحجار حتى صليت، ثم ذكرت وأنت في وقتها، فأعد الوضوء والصلاة، وإن كان قد مضى الوقت، فقد جازت صلاتك، فتوضأ لما تستقبل من الصلاة .
وإن بلت فأصاب فخذك نكتة من بولك، فصليت، ثم ذكرت أنك لم تغسله، فاغسل وأعد الصلاة .
ولا بأس أن تمس عظم الميت إذا جاز سنة .
وإن أصاب ثوبك بول الخشاشيف ، فاغسل ثوبك .
صفحه ۱۳
وروي: أنه لا بأس بخرء ما طار، وبوله .
ولا تصل في ثوب أصابه ذرق الدجاج .
وإن وقعت فأرة في الماء، ثم خرجت فمشت على الثياب، فاغسل ما رأيت من أثرها، وما لم تره انضحه بالماء .
ولا بأس بدم السمك في الثوب أن تصلي فيه، قليلا كان أم كثيرا .
وإن أصاب عمامتك أو قلنسوتك أو تكتك أو جوربك أو خفك مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، وذلك أن الصلاة لا تتم في شيء من هذا وحده .
صفحه ۱۴
وكل شيء طاهر، (إلا ما علمت) أنه قذر .
وقال أمير المؤمنين - عليه السلام -: لبن الجارية وبولها يغسلان من الثوب قبل أن تطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة أمها، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا (بوله ، لأن لبن الغلام) يخرج من المنكبين والعضدين .
وروي في امرأة ليس لها إلا قميص واحد، ولها مولود يبول عليها، أنها تغسل القميص في اليوم مرة .
وإن وقع ثوبك على حمار ميت فليس عليك غسله، ولا بأس بالصلاة فيه .
وإذا توضأت المرأة ألقت قناعها عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة
صفحه ۱۵
والمغرب ، وتمسح عليه، ويجزيها في سائر الصلوات أن تدخل إصبعها ، فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها قناعها .
ولا بأس أن تصلي بوضوء واحد صلوات الليل والنهار كلها، ما لم تحدث .
وإن غسلت يمينك قبل الوجه، فاغسل وجهك، ثم أعد على اليمين، وإن غسلت يسارك قبل يمينك فاغسل يمينك، ثم اغسل يسارك ، وإن مسحت على رجليك قبل رأسك فامسح على رأسك، ثم أعد المسح على رجليك .
وإن توضأت فانقطع بك الماء قبل أن تتم الوضوء فأتيت بالماء، فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا، وإن كان قد جف فأعد وضوءك، وإن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك الماء فاغسل ما بقي،
صفحه ۱۶
جف وضوؤك أم لم يجف .
(ولا تتق) - وروي: ما أتقي - في شرب المسكر والمسح على الخفين أحدا .
وإذا استيقظ الرجل من نومه ولم يبل، (فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها) ، (وإذا بال فلا يجوز له أن يدخل يده في الماء حتى يغسلها) .
ولا تتوضأ بسؤر الحائض، ولا تشرب منه .
صفحه ۱۷
وإذا توضأت فدور الخاتم في وضوئك، وإن علمت أن الماء لا يدخل تحته فحوله ، وإذا اغتسلت من الجنابة فحوله، وإن نسيت حتى قمت في الصلاة فلا آمرك أن تعيده .
وإن أصابك نضح من طشت فيه وضوؤك ، فاغسل ما أصابك منه، إذا كان الوضوء من بول أو قذر، وإن كان وضوؤك للصلاة فلا يضرك .
ولا بأس أن تتوضأ من الماء إذا كان في زق من جلد ميتة، ولا بأس بأن تشربه .
ولا بأس بأن تتوضأ من فضل المرأة إذا لم تكن جنبا ولا حائضا .
صفحه ۱۸
وإن وجدت ماء نقيعا تبول فيه الدواب فتوضأ منه، وكذلك الدم السائل في الماء وأشباهه .
ولا بأس أن تدخل في الصلاة ويدك غمرة .
ولا تتوضأ إن نمت وأنت جالس في الصلاة، فإن العين قد تنام بعبد والأذن تسمع، فإذا سمعت الأذن فلا بأس ، إنما الوضوء مما وجدت ريحه، أو سمعت صوته .
وإن استيقنت أنك توضأت وأحدثت، فلا تدري سبق الوضوء الحدث، أم الحدث الوضوء، فتوضأ .
ولا تبعض الوضوء ، وتابع بينه كما أمرك الله .
صفحه ۱۹
وإن شككت بعدما صليت فلم تدر توضأت أم لا، فلا تعد الوضوء ولا الصلاة .
ومتى شككت في شيء وأنت في حال أخرى، فامض ولا تلتفت إلى الشك إلا أن تستيقن .
ومتى ما تكشفت لبول أو غير ذلك فقل: بسم الله، فإن الشيطان يغض بصره عنك حتى تفرغ .
وسئل أبو الحسن الرضا - عليه السلام - ما حد الغائط؟ فقال: لا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح، ولا تستدبرها .
ومتى توضأت فاذكر اسم الله، فان من توضأ فذكر اسم الله طهر جميع جسده، وكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب، ومن لم يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصابه الماء .
صفحه ۲۰
وروي: أن من توضأ فذكر اسم الله، فكأنما اغتسل .
واعلم أن من توضأ وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم يتمندل (حتى يجف) كتبت له ثلاثون حسنة .
وروي: أن من توضأ للمغرب، كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره، إلا الكبائر .
وافتح عينيك إذا توضأت، فإن رسول الله - صلى الله على وآله وسلم - قال: افتحوا عيونكم عند الوضوء، لعلها لا ترى نار جهنم .
صفحه ۲۱
ولا تضع الماء في الشمس للوضوء والغسل، فإن رسول الله - صلى الله على وآله وسلم - دخل على عائشة، وقد وضعت قمقمتها في الشمس، فقال: يا حميراء، ما هذا؟ قالت: أغسل رأسي وجسدي ، قال - صلى الله على وآله وسلم -: لا تعودي فإنه يورث البرص .
وإذا اغتسلت فاغتسل بصاع (من ماء) ، وإذا توضأت فتوض بمد من ماء، وصاع النبي - صلى الله على وآله وسلم - خمسة أمداد، والمد وزن مائتين وثمانين درهما، والدرهم وزن ستة دوانيق، والدانق وزن ست حبات، والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب، لا من صغاره ولا من كباره .
جملة وزن الخمسة أمداد الماء، ألف وستمائة وخمسون درهما .
صفحه ۲۲
2 باب السواك وفضله
لا تدع السواك فإن فيه اثنى عشر خصلة: هو من السنة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرحمن، ويبيض الأسنان، ويذهب بالحفر ، ويشد اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة .
ولكل شيء طهور، وطهور الفم السواك .
وصلاة تصليها بسواك أفضل عند الله من سبعين صلاة تصليها بلا سواك .
صفحه ۲۳