[المدخل]
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
وبعد: فهذه نبذة في ذكر القائم الحجة (عليه السلام)، وذكر إمامته، ووجوده، وذكر والدته وولادته (2)، وغيبته، وما يكون في أيامه عند ظهوره، انتخبتها (3) من كتاب «الأنوار المضيئة في الحكمة الشرعية المستنبطة من الآيات الإلهية» من مؤلفات المولى السيد العالم العامل الفاضل الكامل الحبر الفهامة والنحر (4) النسابة العلامة بهاء الملة والدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي (5)- قدس الله روحه الشريفة وجزاه الله عن سلفه أفضل الجزاء- وهو يشتمل على اثني عشر فصلا:
الفصل الأول: في إثبات إمامته ووجوده وعصمته بالأدلة العقلية.
الفصل الثاني: في إثبات ذلك من الكتاب العزيز.
صفحه ۳
الفصل الثالث: في إثبات ذلك بالأخبار من جهة الخاصة.
الفصل الرابع: في إثبات ذلك من جهة العامة.
الفصل الخامس: في ذكر والدته وولادته.
الفصل السادس: في ذكر غيبته والسبب الموجب لتواريه عن شيعته.
الفصل السابع: في ذكر طول تعميره.
الفصل الثامن: في ذكر رواته ووكلائه.
الفصل التاسع: في ذكر توقيعاته.
الفصل العاشر: في ذكر من شاهده وحظي برؤيته.
الفصل الحادي عشر: في ذكر علامات ظهوره (عليه السلام).
الفصل الثاني عشر: في ذكر ما يكون في أيامه (عليه السلام).
صفحه ۴
الفصل الأول في إثبات إمامته ووجوده [وعصمته بالأدلة العقلية]
صفحه ۵
قال قدس الله روحه: لا بد من ذكر إثبات إمامته ووجوده وعصمته بالأدلة العقلية، وإن كان إثبات إمامة آبائه (عليهم السلام) يثبت بها وجوده وإمامته؛ لأن ذلك أصل يترتب هذا عليه (1) ومقام يرجع هذا البحث إليه، ولكن نذكر هنا ما يقطع حجة جاحديه، ويعلم به (2) أن الحق له ومعه وفيه.
قال قدس الله روحه: والأدلة العقلية من وجوه:
أ(3)- لو لم يكن القائم (عليه السلام) موجودا لخلا الزمان عن الإمام، لكن التالي باطل (4)،
صفحه ۷
فالمقدم مثله.
بيان الملازمة: ان الإمامة منحصرة فيهم (عليهم السلام)، وآباؤه (عليهم السلام) لا شك في انتقالهم إلى ربهم، فلو لم يكن وجوده واجبا لخلا الزمان عن الإمام المعصوم، فالملازمة ظاهرة.
وأما بطلان التالي: فلأنه قد ثبت أن الإمامة (1) لطف، واللطف واجب على الله تعالى (2)، فخلو الزمان عن الإمام (يوجب ارتفاع اللطف وهو محال، فخلو الزمان عن الإمام) (3) محال، (فيبطل التالي) (4) فيبطل المقدم، فيكون موجودا
صفحه ۸
وهو المطلوب (1).
ب (2)- لو قيل بعدم وجود القائم محمد بن الحسن (عليهما السلام) وعدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع، لكن التالي باطل، فالمقدم مثله.
بيان الشرطية: ان الإجماع واقع بين كافة المسلمين أن الناس طرا على قسمين:
قسم قائل بإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، وقسم غير قائل بذلك.
أما القائلون بإمامتهم فلا شك عندهم في وجوده وإمامته، وهو ظاهر.
وأما غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته ووجوده، بل في إمامة (3) أجداده؛ فإن كل من قال بإمامتهم، قال بإمامته ووجوده، وكل من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته ولا بوجوده؛ فلو قال أحد بإمامتهم وأنكر إمامته ووجوده، لكان قولا ثالثا خارقا للإجماع. فقد بانت الشرطية.
وأما بطلان التالي فظاهر، فيبطل المقدم، فيكون القول بعدم وجوده وبعدم إمامته محالا، وهو المطلوب.
لا يقال: الإمام هو الذي يقوم بأعباء (4) الإمامة، و(أنتم
صفحه ۹
تقولون) (1) ان الحسن العسكري مات وابنه المهدي صغير لا يصح أن يقوم بأعباء الإمامة، فلا يكون على تقدير صحة وجوده إماما.
لأنا نقول: النبوة أعظم درجة من الإمامة، وقد نبى الله عيسى بن مريم وهو ابن ساعة واحدة. ألا ترى كيف أنكر بنو إسرائيل على مريم ف قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (2) ما كنا نظن أنك تفعلين مثل هذا الفعل الفظيع (3)، فأشارت إليه (4) فقالت: كلموا هذا الطفل، قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (5) فأجابوها منكرين عليها: أرأيت طفلا يتكلم؟ قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (6) فتكلم بالحكمة، وأثبت لنفسه النبوة.
وكذلك القول في يحيى بن زكريا، أثبت الله له الحكم في الكتاب وهو صبي فقال (7): وآتيناه الحكم صبيا (8) وهذا نص في الباب.
لا يدفع الشك في إمامته إمامته، وإلا لدفع الشك في نبوة عيسى نبوته.
ولعمري ان الناس على قسمين: قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن (عليه السلام)، وقسم نفوا ذلك. فأي الشهادتين أثبت وأولى بالقبول عند أهل العقول والمنقول؟ أليست شهادة النفي منفية لا يجب قبولها في الشريعة المحمدية.
ج (9): إنما دهى (10) مخالفونا في إمامة القائم وإمامة آبائه (عليهم السلام) فأنكروها، وزين لهم
صفحه ۱۰
الشيطان منعها فمنعوها، لموضع جهلهم بحقيقة الإمام وما خصه الله تعالى به من الكرامة حتى صار أهلا للإمامة (1)، فخفي عليهم معرفة حقيقته، فوضعوا الحق
صفحه ۱۱
في غير موضعه، وأخرجوه عن مستحقه، وغفلوا عن كون الإمام يجب أن يكون في مرتبة النبي ((صلى الله عليه وآله)) (1)، إذ هو المبلغ عنه ((صلى الله عليه وآله)) (2) ما أنزل إليه (3)، كأنهم لم يطلعوا على ما خاطبه به في الكتاب المبين (الر كتاب أنزل إليك لتكون للعالمين نذيرا) (4) فجعله نذيرا لكافة المخلوقين، من الملائكة المقربين والجن والإنس أجمعين.
وإذا كان الإمام في مرتبته، كان حجة على هؤلاء بأجمعهم، لوجوب تبليغه إياهم ما وجب عليهم من شريعته. فبمجرد (5) اختيار بعض الناس لبعض الأشخاص
صفحه ۱۳
في بعض الأصقاع (1)، أو يكون فيه صفه اختاروها، أو حالة أرادوها، يصير حجة على كافة المخلوقين من الملائكة والجن والإنس أجمعين؟ نعوذ بالله من هذا الإفك العظيم والضلال المبين.
ويعضد ما ادعيناه ويشهد بصحة ما قلناه، ما صح لي روايته عن الشيخ محمد (ابن علي) (2) بن بابويه، يرفعه إلى (أبي عبد الله) (3) بن صالح الهروي، عن الرضا (عليه السلام) قال:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4): والله ما خلق (5) أفضل مني ولا أكرم عليه مني.
قال علي (عليه السلام): فقلت: يا رسول الله أفأنت أفضل أم جبرئيل؟
فقال (عليه السلام): يا علي إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين (6) والفضل بعدي لك يا علي، وللأئمة من بعدك. وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.
يا علي المؤمن من آمن بولايتنا، أليس «الذين يحملون العرش ومن حوله
صفحه ۱۴
يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا» (1) حملة العرش ومن حوله من الملائكة يخدمون المؤمنين بالاستغفار دائبين الليل والنهار (2).
يا علي لو لا نحن لما خلق الله آدم، ولا حواء، ولا الجنة، ولا النار، ولا السماء، ولا الأرض. وكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا عز وجل وتسبيحه وتقديسه وتهليله، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا، فأنطقها بتوحيده وتحميده.
ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا، استعظمت (3) أمورنا، فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا (4) ونزهته عن صفاتنا.
(فلما شاهدوا عظم شأننا، هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله.
فلما شاهدوا كبر محلنا، كبرنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظيم المحال (5).
فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة، قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله) (6)، (فقالت الملائكة: لا حول
صفحه ۱۵
ولا قوة إلا بالله) (1).
فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه (2) من فرض الطاعة لنا، قلنا: الحمد لله، لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة:
الحمد لله. فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده (3) وتمجيده.
ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم (عليه السلام) وأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراما، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية، ولادم إكراما وطاعة لكوننا في صلبه، فكيف [لا نكون] (4) أعظم من الملائكة، وقد سجدوا لادم كلهم أجمعون.
ولما عرج بي جبرئيل (5) إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى ثم قال: تقدم يا محمد.
فقلت له: يا جبرئيل أتقدم عليك؟
فقال: نعم، إن الله تعالى فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة.
فتقدمت وصليت بهم ولا فخر.
فلما انتهينا (6) إلى حجب النور قال لي جبرئيل (7): تقدم يا محمد، وتخلف عني.
فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع (8)؟
فقال: يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل، هذا المكان؛ فإن
صفحه ۱۶
تجاوزت احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله.
(فزج بي زجة) (1) في النور حتى انتهيت إلى حيث (2) ما شاء الله عز وجل من ملكوته، فنوديت: يا محمد! أنت عبدي وأنا ربك، فإياي فاعبد وعلي فتوكل، فإنك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجتي في بريتي. لمن تبعك خلقت جنتي، ولمن خالفك (3) خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتي، ولشيعتهم أوجبت (4) ثوابي.
فقلت: يا رب ومن أوصيائي؟
فنوديت: يا محمد! أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش. فنظرت وأنا بين يدي ربي إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر عليه اسم كل وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتي.
فقلت: يا رب إن هؤلاء أوصيائي بعدي؟
فنوديت: يا محمد إن هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك، وخير خلقي بعدك. وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولأعلين (5) بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذلن له الرقاب (6) الصعاب،
صفحه ۱۷
ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدنه بملائكتي، حتى يعلن دعوتي (1)، ويجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمن ملكه، ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة (2) ..
وإذا كان ذلك كذلك، فأين من ادعي فيه الإمامة غير هؤلاء المعصومين إلى يوم القيامة وهذه الصفات، وأنى لهم هذه الحالات، وهل اختص بها إلا هم (عليهم السلام) دون سائر الأنام ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (3).
صفحه ۱۸
الفصل الثاني في إثبات ذلك (1) من الكتاب
وذلك من وجوه دلت على وجوده وإمامته وثبوت عصمته:
أ- (2) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (3).
صفحه ۲۱
روى صاحب الكشاف (1) في كتابه: أن بني إسرائيل لما عبدوا العجل تبرأ سبط منهم ولم يدخل فيما صنعوا، وسأل الله أن يفرق بينهم وبين قومهم، ففتح الله لهم نفقا (2) في الأرض فساروا فيه وفارقوا قومهم، فلما بعث النبي (صلى الله عليه وآله) وعرج به إلى السماء، أقدمه جبرئيل (عليه السلام) عليهم، فأسلموا على يده، وعلمهم الحدود والأحكام، وعرفهم شرائع الإسلام، وهم باقون يعبدون الله تعالى على الملة الإسلامية والشريعة المحمدية (3).
صفحه ۲۲
ولا شك في أن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) قال: تحذو (2) أمتي حذو بني إسرائيل النعل بالنعل والقذة (3) بالقذة (4).
صفحه ۲۳
فلا بد أن يكون في هذه الأمة من هو كذلك، ولم ينقل أحد خاف من الظالمين ففتح له نفق في الأرض فسار فيه وفارق الطاغين، غير الإمام الحجة (عليه السلام). وهو كما وردت به (1) الأخبار في قطر من الأقطار بين ولده (2) وأصحابه وخواصه، يعبد الله إلى حين ظهوره والإذن في حضوره، فيملأها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
صفحه ۲۴
ب (1)- وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا (2).
صفحه ۲۵
وعده سبحانه حق وصدق، وقد وعد المؤمنين الصالحين الخائفين في كتابه المبين بالاستخلاف على المكلفين، ووصفهم بحصول الخوف بعد كونهم مؤمنين (1)، وأن يجعلهم بعد ذلك آمنين.
وهذه خاصة لم تحصل لأحد ممن تولى أمور المسلمين، وإنما هي (2) صفة للقائم خاتم الأئمة المعصومين، (3) ولذا وصفهم بأنهم عن الشرك [منزهون] (4)، وهذا لا يكون إلا للأئمة الطاهرين.
أليس قد صح عن النبي ((صلى الله عليه وآله)) (5) أنه قال:
دبيب (6) الشرك في أمتي كدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء (7) في الليلة الظلماء. (8)
صفحه ۲۶