مقدمة المؤلف الحمد لله الحكم الذي لا يجور، والمحيط علما بما تخفي الصدور، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آل محمد أجمعين ... وبعد: فإن هذا كتاب جمعت فيه عيونا من مسائل الأقضيات والأحكام، استخرجتها من الأمهات، وانتخبتها حسانا جيادا؛ أردت بذلك النصيحة لمن كان من حكام المسلمين قد شغله ما قلده وعصب به عن درس كتب الفقه ومطالعتها والاستكثار من النظر فيها؛ ليستغني بما انتخبته من ذلك -إذا علمه- عن المشورة متى

1 / 83

نزل به شيء منه؛ فليس يستحسن من الحكم أن يشاور في كل ما يرفع إليه من أمر الخصوم، بل كل ما بعد مسرحه في علم القضاء كان أقبل له، وأحرز لدينه، ولا توفيق إلا بالله.

1 / 84

كتاب الدعوى باب الحكم في رفع المدعى عليه قال محمد بن عبد الله بن زمنين ﵁: من شأن حكام العدل، والمعروف من سيرتهم في رفع الخصوم، أنه إن كان المدعى عليه مع الحكم في مصره أو قريبا منه بالأميال اليسيرة، رفعه بطابع يدفعه إلى المدعي، وإن رأى أن يرسل فيه رسولا من أعوانه، فعل ما يحضره من الاجتهاد في ذلك. وإن كان موضع المدعى عليه بعيدا، كتب في رفعه. وقد روى عبد الملك بن حبيب أنه قال: سمعت أصبغ بن

1 / 85

الفرج يقول: إذا استعدى الخصم القاضي على خصمه النائي عنه وسأله أن يكتبه له فيه، فلا يكتب إلا إلى أهل العدل والأمانة، يأمرهم أن يجمعوا بينهما، وأن يأمروهما بالتناصف، فإن أبيا فانظروا، فإن ثبت المدعي عندكم سببا لحقه ورأيتم وجه مطلبه ولم تروه –يريد تعنيته-، فارفعوه إلينا معه، وإلا فلا ترفعوه وهذا إذا كانا بالمكان الذي لا مؤنة فيه على المدعى عليه، ولا على المدعي، ولا على البينات، فأما المكان البعيد من موضع القاضي، أن انظر فيما يدعيه فلان قبل فلان، واسمع من بينته [وانظر] في منافعها وجميع أمرها، ثم اكتب إلينا بما ثبت عندك ورأيته في ذلك؛ لننظر فيه، فإذا نظر القاضي فيما جاءه من المكتوب إليه، ورأى أن يكتب إليه بإنفاد الحكم، فعل. وإن رأى حينئذ أن يرفع المدعى عليه والمدعى؛ [لينفذ بينهما ما قد] أثبتاه عند المكتوب إليه، فعل. ولا يشخص.

1 / 86

البينات والخصوم إذا بعد المكان. وفي العتبية قيل لسحنون: أرأيت الشاهدين يكونان من أهل البادية فيقولان لصاحب الحق: الهبوط إلى الحاضر يشق علينا، أترى للقاضي أن يكتب إلى رجل يشهد عنده الشهود؟ فقال: إذا كان وافق موضع القاضي على مثل الساحل منا –وذلك نحوا من ستين ميلا -، فلا بأس بذلك. وفي كتاب محمد بن سحنون، أن أباه سحنونا كان إذا كتب

1 / 87