المال المتكدس يجوز أن يكدسه الأفراد لا الحكومات، فالفرد نتسامح معه إذا درج على سياسة الادخار، أما الحكومة فلا نتسامح معها قط، ومن واجبها، بل من واجبها الأول أن تنفق دائما؛ ليطمئن الشعب إلى أن أمواله لا تنام في صناديق الخزينة، بل تدور بين المواطنين؛ لترفع مستوى معيشتهم، وتشيع الرفاء بين صفوفهم، ويجدوا فيها منافع لهم.
ذكرتني كلمته هذه بما فعله نابليون، جبار الأقزام والعمالقة، بعدما توج إمبراطورا.
دخل كاتدرائية «نوتردام» في باريس فرأى فيها ثلاثة عشر تمثالا مسبوكة من الذهب الخالص، وكانت الدولة في حاجة إلى المال، فحضرته النكتة - والنكتة في اعتقادي وحي ما - فقال نابليون: «أبقوا السيد المسيح وحده هنا، أما تلاميذه فلا محل لهم معه؛ لأنه هو أمرهم بقوله: «اذهبوا وبشروا باسمي جميع الأمم».»
وفي الحال أنزلت تماثيل الرسل الاثني عشر، وأرسلت إلى دار الضرب، فصارت دنانير نابليونية تداولها الشعب الفرنسي الذي أحب نابليون، فنفست عنه بعض الشيء.
إني أتمنى، يا أخي محيي الدين، أن يقال لمال الاحتياط ما قيل لتماثيل الرسل: «اذهب وحوط لبنان باليسر.» فيزول كابوس الضائقة عن النفوس. «الشبعان يفت للجوعان فتا بطيئا.» هكذا قال المثل العربي القديم، ونحن يا سيدي بطوننا خاوية، وإذا كان لا بد من موتة فقبل رمضان ...
إنني أكتب رغم اعتقادي أن كلامي حبر على ورق، أو صرخة في واد، لا تزعزع جبلا، ولا تخيف أسدا.
إن صياح الديك لا يطلع الفجر، ولكن لا بد للديك من أن يصيح.
قرب الله الصبح الذي نسمع بتباشيره.
فمتى تحقق الأعمال الأقوال، ولا نظل نسقي الكمون بالوعد؟
عالية، 5 / 5 / 1954م
صفحه نامشخص