Munasabat al-Ayat wa al-Suwar
مناسبات الآيات والسور
ناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ژانرها
هكذا فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعًا أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخرًا وتأخر ما أنزله الله متقدمًا فإن هذا العمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمره وأحقر فائدته بل هو عند من يفهم ما يقول وما يقال له من تضييع الأوقات وإنفاق الساعات في أمر لا يعود بنفع على فاعله ولا على من يقف عليه من الناس وأنت تعلم أنه لو تصدى رجل من أهل العلم للمناسبة بين ما قاله رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاءاته أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحًا وأخرى هجاء وحينًا نديبًا وحينًا رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه ثم تكلف تكلفًا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في النكاح ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصابًا في عقله متلاعبًا بأوقاته عابثًا بعمره الذي هو رأس ماله وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب وأبكت بفصاحته فصحاء عدنان وقحطان وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي وأنزله بلغة العرب وسلك فيه مسلكهم في الكلام وجرى به مجاريهم في الخطاب وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون متخالفة وطرائق متباينة فضلًا عن المقامين فضلًا عن المقامات فضلًا عن جميع ما قاله ما دام حيا وكذلك شاعرهم.
ونكتفي بهذا التبيين على هذه المفسدة التي تعثر في ساحاتها كثير من المحققين وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر آدم ﵇، فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله؟ قلنا لا كيف".
فدع عنك نهبا صيح في حجراته ... وهات حديثا ما حديث الرواحل
10 / 43