هو حالنا في غزة، كلنا نحمل صفات النبوة، «كلنا أنبياء» بدون رسائل؛ يبدو لأن في فلسطين ولد، وعاش، ودفن، ومشى، وركض، وبكى، وانتصر، وانهزم بها الأنبياء.
وأعود لفعل دفن الأنبياء في أرضنا؛ غزة أرض الدفن، ونحن كالأشجار نمتص ماء الأرض. وقد اختلط ماؤها بأرواح من صار جزءا من أملاح ومعادن ورائحة التربة.
أقصد هنا لو مر رجل يضع عطرا، وحين تحضر للمكان تقول: ما أجمل رائحة هذا العطر! ونحن لا بد أن نعيش نلاحق الجمال فقط.
يوما بعد يوم يعيش أهل غزة على الخرافات والأسطورة؛ أذكر يوما خرج معظم الناس إلى الشوارع وقالوا: إن التربة تحت أشجار الزيتون مضيئة وتلمع كنجوم سماوية.
كان كاتب هذه الرواية أحد الذين نبشوا التربة ليتأكد من أنها تلمع كالنجوم، وتأكد من وجود هذه الظاهرة، وانتشرت الشائعات بأن هذا الضوء دم الصالحين النائمين تحت تراب غزة.
أنا أيضا ميشيل كنت أحد الذين غرفوا حفنة من تحت شجرة الزيتون. دققت النظر والبحث في حفنة التراب؛ وجدت بقايا جسد دودة منتشرة في التربة هي التي تعكس الضوء، وتجعلها تلمع، «وقتها كانت نساء المخيمات تفرك وجوهها بالتراب اللامع».
هن نساء غزة يبحثن عن الجمال، حتى حين يقترب موتهن يصبحن جميلات. ويذكرني هذا بجدتي؛ كانت تبحث عن أثواب الحيات (قشور الحية بعد أن تغير جلدها)؛ لتمسح عينيها به فتشعر بنفسها كليوباترا، وجدي أنطونيو.
نمتاز نحن في غزة بالتعايش مع القبح لنتجمل به. غزة قبيحة لكن نحن جميلون في وقت من الأوقات، والعكس مقبول.
أنا معتقد بأن وجودنا في غزة مهم جدا. رغم صغر مساحتها إلا أنها تجمعنا كلنا؛ إنها كبالون الأطفال الصغير جدا، كبير عند الحاجة يتسع كل هواء صدرك.
الشيء المزعج مئات الثمار كانت تزرع في غزة، وكنا نشبه هذه الثمار؛ بالشكل والرائحة، والمهنة، حتى صغارنا نطلق عليهم أسماء الثمار.
صفحه نامشخص