مختصر زاد المعاد

Muhammad ibn Abd al-Wahhab d. 1206 AH
152

مختصر زاد المعاد

مختصر زاد المعاد

ناشر

دار الريان للتراث

شماره نسخه

الثانية

سال انتشار

١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م

محل انتشار

القاهرة

الْعِقْدِ الَّتِي نَزَلَ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِهَا بَعْدَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَكِنْ فِيهَا كَانَتْ قِصَّةُ الإفك بسبب فقد العقد والتماسه، فاشتبه على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى. وأما قصة الإفك، فهي في هذه الغزوة إلى أن قال: فأشار علي بفراقها تلويحا لا تصريحا لَمَّا رَأَى أَنَّ مَا قِيلَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فأشار بِتَرْكِ الشَّكِّ وَالرِّيبَةِ إِلَى الْيَقِينِ، لِيَتَخَلَّصَ رَسُولُ الله ﷺ من الغم الذي لحقه بكلام الناس. وأشار أسامة بإمساكها لما علم من حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لها ولأبيها، ولما علم من عفتها وديانتها، وأن الله لا يجعل حبيبة نبيه وبنت صديقه بالمنزلة التي أنزلها به أهل الإفك. وَمَنْ قَوِيَتْ مَعْرِفَتُهُ لِلَّهِ وَمَعْرِفَتُهُ لِرَسُولِهِ وَقَدْرِهِ عِنْدَ اللَّهِ فِي قَلْبِهِ قَالَ كَمَا قَالَ أبو أيوب وَغَيْرُهُ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ لَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ: ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] وتأمل ما في تسبيحهم في ذلك المقام من المعرفة بالله وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَجْعَلَ لرسوله امرأة خبيثة. فإن قيل: فما باله ﷺ تَوَقَّفَ فِي أَمْرِهَا وسأل؟ قيل: هَذَا مِنْ تَمَامِ الحِكم الْبَاهِرَةِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ سَبَبًا لَهَا وَامْتِحَانًا وَابْتِلَاءً لرسوله، ولجميع الأمة إلى يوم القيامة، ليرفع بها أقواما، ويضع بها آخرين، واقتضى تمام الامتحان بأن حبس الوحي عن نبيه شهرا ليظهر حكمته، ويظهر كمال الوجود، ويزداد الصادقون إيمانا وثباتا على العدل وحسن الظن، ويزداد المنافقون إفكا ونفاقا، وتظهر سرائرهم، ولتتم العبودية المرادة منها ومن أبويها، وتتم نعمة الله عليهم، ولتشتد الفاقة منهم إلى الله والذل له، والرجاء له، ولينقطع رجاؤه من المخلوقين، وَلِهَذَا وَفَّتْ هَذَا الْمَقَامَ حَقَّهُ، لَمَّا قَالَ لها أبوها: قُومِي إِلَيْهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَرَاءَتَهَا، فقالت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله هو الذي أنزل براءتي. ولو أطلع الله رسوله على الفور، لفاتت هذه الأمور والحكم، وأضعافها وأضعاف أضعافها. وأيضا فإن الله أحب أن تظهر منزلة رسوله عنده وأهل بيته، وأن يتولى بنفسه الدفاع، والرد على الأعداء وذمهم وعيهم بأمر لا يكون لرسوله فيه عمل. وَأَيْضًا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كان الْمَقْصُودَ بِالْأَذَى، وَالَّتِي رُمِيَتْ زَوْجَتُهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِبَرَاءَتِهَا مَعَ عِلْمِهِ أَوْ ظَنِّهِ الظَّنَّ الْمُقَارِبَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَتِهَا، وَلَمْ يظن بها سوءا قط، وكان عنده من القرائن أَكْثَرَ مِمَّا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنْ

1 / 154