وإن من شيء في الكون إلا وهو مخلوق لله ، وليس للعبد فيه إلا الكسب والاختيار ، فهم ليسوا من هؤلاء ولا من المرجئة القائلين بأن الإنسان إذا قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وكفته هذه الجملة عن جميع التكاليف المفصلة في الشريعة . وعلى ذكر المعتزلة أقص عليك حكاية غريبة سطرت في كتاب مشهور من كتب الفقه المالكي وهو " حاشية العدوى على الخرشى صحيفة 176 من الجزء الخامس " وقفت عليها حال مراجعتي بعض مسائل الشهادات . بعد أن ذكر المؤلف شهادات المبتدع كالقدري والخارجي تقبل أو لا تقبل الخ قال : أخبرني من يوثق به أنه مات بالسودان رجل من المعتزلة الساكنين بجزيرة جربة ، فوجدوا رأسه تحول إلى رأس حمار ، ثم تحصن بالله من غضبه ، وتعوذ به من الشيطان الرجيم . انظر بالله إلى عالم فقيه كيف تجرأ على تشويه كتابه بتسطير مثل هذه الحكاية الواهية بين دفتيه ، وقد صدقها بمجرد قول قيل له بدون أن يمحصها تمحيصا عقليا يقبله المنطق الصحيح ، وبدون أن يتنبه إلى أنه فقيه من الفقهاء الذين يجب أن لا يجهلوا أن المسخ مرفوع عن أمة محمد إكراما له صلى الله عليه وسلم وتمييزا لها عن سائر الأمم . والظاهر أن الشيخ المؤلف ممن لا يفرق بين المعتزلة والأباضية ، فكل ما عدا الأشعرية هو معتزلي في نظره ونظر فريق من العلماء الجامدين على معرفة مذهب بعينه لا يعرفون سواه إلا بالاسم و بالسماع . والواقع أن سكان جزيرة جربة - التابعة لتونس - أغلبهم أباضية ، ونحو الربع أو الخمس مالكية ، وهم على أفضل ما يرام من جهة حسن الجوار والاتفاق على خدمة مصالحهم المشتركة ومبادلة ما في جزيرتهم من المنافع . وتراهم اشد الناس عطفا على بعضهم البعض في الغربة ، وهم مشهورون بها في سبيل الرفه والغنى .
صفحه ۴