قد كان أملي أن يعاد طبع هذا المختصر في حجم أكبر وفي ملاحظات وأبحاث أوسع ، ولكن ظروفي الخاصة وأحوالي المرتبكة بمعاكسات الزمان وصرفه لم تسمح لي بشيء من ذلك ، كما أنها لم تسمح لي بوضع يوميات أو حوليات عن مجريات حياتي منذ أيام دراستي ، أو على الأقل من أول عام ابتليت فيه بالقضاء وهو 1919 م إلى عامنا الحالي ، ولكن الأمر الواقع هو ما يحمله المثل السائر " أنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد" . و أن الإنسان في حياته الدنيا مسير غير مخير ، وكم من انسان في نفسه أشياء هامة يود أن يجهر بها ويخلد تدوينها وهو حي ، فتمنعه الموانع وتعوقه العوائق فيموت وتقبر معه أو تنشر بعده . فيحرم من مشاهدة ما كان لها من الأثر في المجتمع .. هذا ولو كنت من الذين يحفلون بتقاريظ مؤلفاتهم لقبلت عشرات منها من مختلف طبقات الشمال الأفريقي ، وقد أعرب لي كثير من الأدباء والأحرار عن استحسانهم لهذا التأليف والرضا عما جاء فيه من غايات سامية تروق في أعين المصلحين الأبرار ، وتحل من أنفسهم محل تقدير وإعجاب ، كما أكدوا لي استهجانهم موقف الذين نظروه بعين السخط والاشمئزاز ، وفي مقدمة هؤلاء الفضلاء عظيم تقي نزيه هو الأستاذ الكبير الزعيم الحر السيد محيي الدين القليبي رحمه الله ، فقد جاءتني منه رسالة قيمة سأكتفي بدرجها في صلب هذه المقدمة ، ليعلم الإنسان المفكر ويتعجب كيف تختلف آراء الناس وتتعارض أفهامهم في شيء واحد وموضوع واحد ، ذلك لتتجلى مشاعرهم واضحة كالشمس في قول الشاعر:
وهنا يوقن العاقل ويسلم تسليما لا مراء فيه بأن رضا الناس غاية لا تدرك ، وأن القول الصدق وهو ما قيل :
وإليك أخي نص الرسالة الآتية من هذا الرجل الذي لم يسبق بيني وبينه أي اجتماع أو تعارف قبل ورودها :
صفحه ۱۱