مختصر تفسیر ابن کثیر
مختصر تفسير ابن كثير
ناشر
دار القرآن الكريم
شماره نسخه
السابعة
سال انتشار
١٤٠٢ هـ - ١٩٨١ م
محل انتشار
بيروت - لبنان
ژانرها
عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ بِجَالَةَ بْنَ عبدة يقول: كَتَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، قَالَ: فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سواحر (رواه البخاري من صحيحه) وصح أَنَّ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا فأمرت بها فقتلت، قال الإمام أحمد ابن حنبل: صح عن ثَلَاثَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ في قتل الساحر، وروى الترمذي عَنْ جُنْدُبٍ الْأَزْدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «حَدُّ السَّاحِرِ ضربه بالسيف» (رواه الترمذي عن جندب الأزدي مرفوعًا وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقبة كَانَ عِنْدَهُ سَاحِرٌ يَلْعَبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَكَانَ يَضْرِبُ رَأْسَ الرَّجُلِ ثُمَّ يَصِيحُ بِهِ فَيَرُدُّ إِلَيْهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يُحْيِي الْمَوْتَى!! وَرَآهُ رَجُلٌ مِنْ صَالِحِي الْمُهَاجِرِينَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ جَاءَ مُشْتَمِلًا عَلَى سَيْفِهِ، وَذَهَبَ يَلْعَبُ لَعِبَهُ ذَلِكَ فَاخْتَرَطَ الرَّجُلُ سَيْفَهُ فَضَرَبَ عُنُقَ السَّاحِرِ، وَقَالَ: إنْ كَانَ صادقا فليحي نفسه، وتلا قوله تعالى: ﴿أتاتون السحر وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ فَغَضِبَ الْوَلِيدُ إِذْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ فِي ذَلِكَ فسجنه ثم أطلقه، والله أعلم. وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ ﵀ قِصَّةَ عُمَرَ وَحَفْصَةَ عَلَى سِحْرٍ يَكُونُ شِرْكًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ
حكى الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا وُجُودَ السِّحْرِ، قَالَ: وَرُبَّمَا كفَّروا مَنِ اعْتَقَدَ وجوده، وَأَمَّا أَهْلُ السنَّة فَقَدْ جَوَّزُوا أَنْ يَقْدِرَ السَّاحِرُ أَنْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ، وَيَقْلِبَ الْإِنْسَانَ حِمَارًا وَالْحِمَارَ إِنْسَانًا، إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْأَشْيَاءَ عِنْدَمَا يَقُولُ السَّاحِرُ تِلْكَ الرقى والكلمات الْمُعَيَّنَةَ، فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْفَلَكُ وَالنُّجُومُ فَلَا، خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُنَجِّمِينَ والصابئة، ثُمَّ استُدل عَلَى وُقُوعِ السِّحْرِ، وَأَنَّهُ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. وَمِنَ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُحِرَ وَأَنَّ السِّحْرَ عَمِلَ فِيهِ، وَبِقِصَّةِ الْمَرْأَةِ مَعَ عَائِشَةَ ﵂، وَمَا ذكرت من إتيانها بابل وتعلمها السحر.
ثُمَّ قَدْ ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ أن أنواع السحر ثمانية (الأول): سحر الكذابين وَالْكُشْدَانِيِّينَ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ الْمُتَحَيِّرَةَ وَهِيَ السَّيَّارَةُ وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مُدَبِّرَةُ الْعَالَمِ وَأَنَّهَا تَأْتِي بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُمُ الَّذِينَ بُعِثَ الله إليهم إبراهيم الخليل مبطلًا لمقالتهم ورادًا لمذهبهم.
(وَالنَّوْعُ الثَّانِي): سِحْرُ أَصْحَابِ الْأَوْهَامِ وَالنُّفُوسِ الْقَوِيَّةِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَهْمَ لَهُ تَأْثِيرٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الْجِسْرِ الْمَوْضُوعِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَمْدُودًا عَلَى نَهَرٍ أَوْ نحوه، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مُطِيعَةً للأوهام، وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِالْعَيْنِ حق لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كان شيء سابق القدر لسبقته العين».
(والنوع الثَّالِثُ) مِنَ السِّحْرِ: الِاسْتِعَانَةُ بِالْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ وَهُمُ الْجِنُّ خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُؤْمِنُونَ، وَكُفَّارٌ وَهُمُ الشَّيَاطِينُ، قَالَ: وَاتِّصَالُ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ بِهَا أَسْهَلُ مِنَ اتِّصَالَهَا بِالْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ وَالْقُرْبِ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ الصَّنْعَةِ وَأَرْبَابَ التَّجْرِبَةِ شَاهَدُوا أَنَّ الِاتِّصَالَ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْأَرْضِيَّةِ يَحْصُلُ بِأَعْمَالٍ سَهْلَةٍ قَلِيلَةٍ من الرقى والدخن وَالتَّجْرِيدِ، وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمُسَمَّى بِالْعَزَائِمِ وَعَمَلِ التسخير.
1 / 99