213

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

پژوهشگر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

تَحَرَّكَتِ الطَّبَائِعُ وَظَهَرَتِ الْمَوَادُّ الْكَامِنَةُ فِي الشِّتَاءِ فَخَرَجَ النَّبَاتُ، وَأَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ، فَإِذَا جَاءَ الصَّيْفُ سَخَنَ الْهَوَاءُ وَتَحَلَّلَتْ فَضَلَاتُ الْأَبْدَانِ، فَإِذَا جَاءَ الْخَرِيفُ كَسَرَ ذَلِكَ السَّمُومَ وَالْحَرُورَ، وَبَرَدَ الْهَوَاءُ وَاعْتَدَلَ وَأَخَذَتِ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ فِي الرَّاحَةِ وَالْجُمُومِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْحَمْلِ الْآخَرِ.
وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ أَنْزَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فِي الْبُرُوجِ وَقَدَّرَ لَهُمَا الْمَنَازِلَ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مِنَ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، فَتَتِمُّ بِذَلِكَ مَصَالِحُهُمْ وَتُعْلَمُ بِذَلِكَ آجَالُ مُعَامَلَاتِهِمْ وَمَوَاقِيتُ حَجِّهِمْ وَعِبَادَاتِهِمْ وَمُدَدُ أَعْمَارِهِمْ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ حِسَابِهِمْ، فَالزَّمَنُ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ السَّنَةَ الشَّمْسِيَّةَ مَسِيرُ الشَّمْسِ مِنَ الْحَمَلِ إِلَى الْحَمَلِ، وَالْيَوْمَ مِقْدَارُ مَسِيرِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَتَحَرُّكُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِكَمَالِ الزَّمَانِ مِنْ يَوْمِ خُلِقَا إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَعْزِلَهُمَا عَنْ سُلْطَانِهِمَا، وَيَرَى عَابِدِيهِمَا أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْبَاطِلَ مِنْ دُونِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾ [الإسراء: ١٢] .
وَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي تَدْبِيرِهِ أَنْ فَاوَتَ بَيْنَ مَقَادِيرِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا دَائِمًا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَلَا أَطْوَلَ مِمَّا هُمَا عَلَيْهِ وَأَقْصَرَ، بَلْ جَاءَ اسْتِوَاؤُهُمَا وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ عَلَى وَفْقِ الْحِكْمَةِ، حَتَّى إِنَّ الْمَكَانَ الَّذِي يَقْصُرُ أَحَدُهُمَا فِيهِ جِدًّا لَا يَتَكَوَّنُ فِيهِ حَيَوَانٌ وَنَبَاتٌ، كَالْمَكَانِ الَّذِي لَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ لَا تَغْرُبُ عَنْهُ، فَلَوْ كَانَ النَّهَارُ مِقْدَارَ مِائَةِ سَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ كَانَ اللَّيْلُ كَذَلِكَ لَتَعَطَّلَتِ الْمَصَالِحُ الَّتِي نَظَّمَهَا اللَّهُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
ثُمَّ تَأَمَّلِ الْحِكْمَةَ فِي إِنَارَةِ الْقَمَرِ وَالْكَوَاكِبِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الظُّلْمَةِ لِهُدُوءِ الْحَيَوَانِ وَبَرْدِ الْهَوَاءِ لَمْ تَقْتَضِ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يَكُونَ اللَّيْلُ ظُلْمَةً دَاجِيَةً لَا ضِيَاءَ فِيهَا، فَلَا يُمْكِنُ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْعَمَلِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى الْعَمَلِ بِاللَّيْلِ لِضِيقِ الْوَقْتِ عَلَيْهِمْ فِي النَّهَارِ وَلِإِفْرَاطِ الْحَرِّ فِيهِ، فَاحْتَاجُوا إِلَى الْعَمَلِ فِي اللَّيْلِ فِي نُورِ

1 / 228