139

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ویرایشگر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

ویراست

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

بِالْمَوْصُوفِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ وَإِنْ سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ الْمُلَبِّسُونَ فَقْرًا، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْغَيْرِ فِيهِ إِجْمَالٌ، وَيُرَادُ بِالْغَيْرَيْنِ مَا جَازَ الْعِلْمُ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى حَقٌّ فِي ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَصِفَاتِهِ وَإِنْ سَمَّاهُ هَؤُلَاءِ أَغْيَارًا، فَإِنَّ الْمَخْلُوقَ يَعْلَمُ مِنَ الْخَالِقِ صِفَةً دُونَ صِفَةٍ، وَقَدْ قَالَ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِهِ: " «لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» " وَهَذَا لِكَثْرَةِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ، وَقَالَ: " «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ» " وَالْمُسْتَعَاذُ بِهِ غَيْرُ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّ تَسْمِيَةَ هَذَا تَرْكِيبًا وَافْتِقَارًا وَغَيْرًا وَضَعَ وَضْعَهُ هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْأَلْفَاظِ إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الْمَعَانِي.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى جُزْئِهِ تَلْبِيسٌ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ الْمَوْصُوفَ بِالصِّفَاتِ اللَّازِمَةِ لَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ تُفَارِقَهُ صِفَاتُهُ، وَلَيْسَتْ لَهُ حَقِيقَةٌ غَيْرَ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ حَتَّى يُقَالَ: إِنَّ تِلْكَ الْحَقِيقَةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى غَيْرِهَا، وَإِنْ سُمِّيَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ غَيْرًا، فَالذَّاتُ وَالصِّفَاتُ مُتَلَازِمَانِ لَا يُوجَدُ أَحَدُهُمَا إِلَّا مَعَ الْآخَرِ، وَهَذَا الِالْتِزَامُ يَقْتَضِي حَاجَةَ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ إِلَى مَوْجُودٍ أَوْجَدَهَا وَفَاعِلٍ فَعَلَهَا، وَالْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَمَّا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ صِفَةٌ وَلَا ذَاتٌ وَلَا يَتَمَيَّزُ فِيهِ أَمْرٌ عَنْ أَمْرٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ وَكَوْنِهِ غَنِيًّا بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَقَوْلُ الْمُلَبِّسِ: إِنَّهُ مُفْتَقِرٌ إِلَى ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: لَوْ كَانَ لَهُ مَاهِيَّةٌ لَكَانَ مُفْتَقِرًا إِلَى مَاهِيَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى اسْمٌ لِلَّذَّاتِ الْمُتَّصِفَةِ بِكَمَالِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحَيَاةِ وَالْمَشِيئَةِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، لَيْسَ اسْمًا لِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْأَوْصَافِ وَالنُّعُوتِ، فَكُلُّ ذَاتٍ أَكْمَلُ مِنْ هَذَا الذَّاتِ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ الْمُلْحِدِينَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ عُلُوًّا كَبِيرًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الطَّرِيقَ الَّتِي سَلَكَهَا هَؤُلَاءِ فِي إِثْبَاتِ الصَّانِعِ هِيَ أَعْظَمُ الطُّرُقِ فِي نَفْيِهِ وَإِنْكَارِ وَجُودِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ سَالِكُوهَا لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا مَلَائِكَتِهِ وَلَا كُتُبِهِ وَلَا رُسُلِهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنْ صَانَعَ مَنْ صَانَعَ مِنْهُمْ أَهْلَ الْمِلَلِ بِأَلْفَاظٍ لَا حَاصِلَ لَهَا.
[فصل مذهب أهل الكلام في الصفات]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُونَ فَلَمَّا رَأَوْا بُطْلَانَ هَذِهِ الطَّرِيقِ عَدَلُوا عَنْهَا إِلَى طَرِيقِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَتَرَكُّبِهَا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْفَرْدَةِ، وَأَنَّهَا قَابِلَةٌ

1 / 154