مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن الموصلی d. 774 AH
131

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

پژوهشگر

سيد إبراهيم

ناشر

دار الحديث

شماره نسخه

الأولى

سال انتشار

١٤٢٢ هـ - ٢٠٠١ م

محل انتشار

القاهرة - مصر

ژانرها

عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِمْ لَجَئُوا إِلَى هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ الْإِيمَانَ بِالنُّبُوَّةِ، وَإِنْ تَنَاقَضَ الْقَائِلُ بِهِ فَغَلَبَتُهُ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَ النَّبِيِّ رَسُولًا فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَلَا فِي الْعِلْمِيَّاتِ، أَوْ فِي بَعْضِ الْعِلْمِيَّاتِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا دُونَ الْبَعْضِ، وَهَذَا أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ جَعَلَهُ رَسُولًا إِلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّ الْقَائِلَ بِهَذَا يَجْعَلُهُ رَسُولًا فِي الْعِلْمِيَّاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ، وَلَا يُعَارِضُ بَيْنَ خَبَرِهِ وَبَيْنَ الْعَقْلِ، وَإِنْ تَنَاقَضَ جَحْدُهُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، فَهَذَا جَحْدُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ إِلَى الْمَدْعُوِّينَ، وَذَاكَ جَحْدُ عُمُومِ رِسَالَتِهِ فِي الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ الْمُخْبَرِ بِهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ فِي الْحَقِيقَةِ بِرِسَالَتِهِ، لَا هَذَا وَلَا هَذَا، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِهَذَا: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى هَؤُلَاءِ حَقًّا فَهُوَ رَسُولُهُ إِلَى الْآخَرِينَ قَطْعًا، لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَصْدِيقِهِ الْإِيمَانُ بِعُمُومِ رِسَالَتِهِ، وَيُقَالُ لِلْآخَرِ: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَأَنَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَهُوَ رَسُولُهُ فِي الْعِلْمِيَّاتِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِهَذَا وَهَذَا. [العقل يصدق ما جاء الوحي أشد مما يصدق كثير من المحسوسات] الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ: وَهُوَ أَنَّكَ إِذَا جَعَلْتَ الْعَقْلَ مِيزَانًا، وَوَضَعْتَ فِي إِحْدَى كِفَّتَيْهِ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْمُشَاهَدَةِ الْمَحْسُوسَةِ الَّتِي يَنَالُهَا الْعَيَانُ، وَوَضَعْتَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى الْأُمُورَ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَجَدْتَ تَرْجِيحَهُ لِهَذِهِ الْكِفَّةِ فَوْقَ تَرْجِيحِهِ لِلَّتِي قَبْلَهَا وَتَصْدِيقَهُ بِهَا أَقْوَى، وَلَوْلَا الْحِسُّ وَالْمُشَاهَدَةُ يَمْنَعُهُ مِنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ لَأَنْكَرَهُ، هَذِهِ دَعْوَى نَعْلَمُ أَنَّكَ تَتَعَجَّبُ مِمَّنْ يَدَّعِيهَا وَتَنْسُبُهُ إِلَى الْمُجَازَفَةِ وَقِلَّةِ التَّحْصِيلِ، وَلَعَمْرُ اللَّهِ إِنَّ مُدَّعِيَهَا لَيَعْجَبُ مِنْ إِنْكَارِكَ لَهَا وَتَوَقُّفِكَ فِيهَا بَعْدَ الْبَيَانِ. فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَنْسَبُ إِلَى الْعَقْلِ، حَيَوَانٌ يَرَى وَيُحِسُّ وَيَتَكَلَّمُ وَيَعْمَلُ، فَغَشِيَهُ أَمْرٌ أَلْفَاهُ كَأَنَّهُ خَشَبَةٌ لَا رُوحَ فِيهَا، وَزَالَ إِحْسَاسُهُ وَإِدْرَاكُهُ، وَتَوَارَى عَنْهُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَعَقْلُهُ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا، فَأَدْرَكَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنَ الْعُلُومِ الْعَجِيبَةِ وَالْأُمُورِ الْغَائِبَةِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَالَ حُضُورِ ذِهْنِهِ، وَاجْتِمَاعِ حَوَاسِّهِ وَوُفُورِ عَقْلِهِ، وَعَلِمَ مِنْ أُمُورِ الْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ وَلَا طَرِيقٌ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ. وَأَنْسَبُ إِلَيْهِ أَيْضًا حَيَوَانٌ خَرَجَ مِنْ إِحْلِيلِهِ مَجَّةَ مَاءٍ مُسْتَحِيلَةٍ عَنْ حُصُولِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَالْمَخْطَةِ، فَامْتَزَجَتْ بِمِثْلِهَا فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ فَأَقَامَتْ بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ، فَانْقَلَبَتْ دَمًا قَدْ تَغَيرَ لَوْنُهَا وَشَكْلُهَا وَصِفَاتُهَا، فَأَقَامَتْ كَذَلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَلَبَتْ بَعْدَ ذَلِكَ قِطْعَةَ لَحْمٍ، فَأَقَامَتْ كَذَلِكَ مُدَّةً، ثُمَّ انْقَلَبَتْ عِظَامًا وَأَعْصَابًا وَعَرُوقًا وَأَظْفَارًا مُخْتَلِفَةَ الْأَشْكَالِ وَالْأَوْضَاعِ، وَهِيَ جَمَادٌ لَا إِحْسَاسَ بِهَا، ثُمَّ عَادَتْ حَيَوَانًا يَتَحَرَّكُ وَيَتَغَذَّى وَيَتَقَلَّبُ، ثُمَّ

1 / 146