ـ[مختصر سنا البرق الشامي]ـ المؤلف: الفتح بن علي بن محمد البنداري الأصفهاني، أبو إبراهيم (المتوفى: ٦٤٣هـ) [الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع]

صفحه نامشخص

سنا البرق الشامي تضم المكتبة السليمانية باستنبول النسخة الوحيدة من سنا البرق الشامي برقم أسد أفندي ٢٢٤٩. ويقع سنا البرق الشامي في تسع وسبعين ورقة من القطع الكبير من ١٦٣ب: ٢٤٢ أ. وقد وجدته مجلدًا مع كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة لجلال الذين السيوطي. وعلى الصفحة الأولى من المخطوط (كتاب حسن المحاضرة في تاريخ مصر القاهرة ويليه الجزء الأول من كتاب سنا البرق الشامي لعماد الدين الكاتب الأصفهاني) ويبدأ بمقدمة كتبها البنداري ويذكر انه انتهى من اختصاره للبرق عام ٦٢٢هـ ١٢٢٤م وباستعراض الموضوعات الواردة في الأوراق الاثنتي عشر الأولى يتضح لنا عدم انتظامها وعدم تتابعها ففي ورقة ١٦٤ب يذكر وصول العماد إلى الشام في ٥٦٢هـ ١١٦٦م، ويتبع ذلك وصول شاور إلى دمشق عام ٥٦٣هـ ١١٦٧م ثم يذكر حملة اليمن، وفجأة يذكر موت نور الدين محمود ٥٦٩هـ ١١٧٤م. ويأتي خلال ذلك إشارة إلى بعثة ابن القيسراني إلى مصر ويلي ذلك مؤامرة عمارة اليمني ضد صلاح الدين عام ٥٦٤هـ ١١٦٨م. وربما حدث ذلك خلال اختصار البنداري للنص، أو ربما وقع من الناسخ خلال كتابته له في عصر لاحق. وينتظم بعد ذلك المخطوط إلى أن يصل إلى الأوراق الثلاثة الأخيرة فنجد أن المادة التاريخية بها غير منتظمة، وغير مترابطة. والمخطوط على العموم مكتوب بخط غير جميل، وهناك كثير من الفجوات، والأخطاء الإملائية ربما حدثت خلال النسخ وكان هدف التحقيق هو تصحيح وضبط النص. وقد شكى الفتح البنداري وغيره من المؤرخين صعوبة أسلوب العماد وطوله وإسهابه، وتعقيده. فقد ذكر الصفدي أن شعره ألطف من نثره لأنه أكثر الجناس فيه وبالغ حتى يعود كلامه كأنه درب من الرقي والعزايم وقد عاب الناس ممن له ذوق ونظرة سليمة كثرة الجناس لأنه دليل التكلف. وقد ذهب ابو الشامة نفس المذهب في وصفه لأسلوب العماد فقال بأنه مسهب مطنب يصيب الإنسان الكلل والملل من قرأته أما ياقوت وابن خالكانى فقد ذكروا أن العماد والقاضي الفاضل كانا يميلان إلى التلاعب بالألفاظ مثال ذلك (سر فلا كبا بك الفرس)، (ودام علا العماد) ومثل هذه العبارات يمكن قراءتها من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين. ومما هو جدير بالإشارة أن البنداري حين اختصر البرق كان أمينًا، ولم يحاول التغيير في الأسلوب والتزم بخطة واضحة طوال النص. أما مصادر التحقيق فقد تمثلت بالضرورة في الجزئيين الثلث والخامس من البرق الشامي الأصل وقد شكل هذان الجزءان مصدرًا هامًا من مصادر التحقيق خاصة في غياب نسخة تفيد في المقارنة. كذلك كان للمقتطفات التي وردت في كتاب الروضتين لأبي شامة أهمية كبيرة فقد ملأت العديد من الفجوات وساعدت في ضبط الكثير من أجزاء النص وقد اعتبرت ما تبقى من البرق بالإضافة إلى مقتطفات أبى شامة أصلًا ثانيًا للتحقيق. هذا بالإضافة إلى الاستعانة بالمصادر اللاحقة على البرق الشامي كالكامل في التاريخ لابن الأثير، ومفرج الكروب لابن واصل، والخطط لتقي الدين المقريزي، وكلها قد أفاد كاتبوها من مؤلفات العماد الكاتب لا سيما البرق الشامي. كذلك اعتمدت على بعض المصادر غير المنشورة كتاريخ ابن ابي الهيجاء، والعسجد المسبوك، ورسائل القاضي الفاضل. وتجب الإشارة إلى أن البنداري ذكر في مقدمته انه سوف يذيل مختصره بمقتطفات من رسالتي العماد العقبي والعتبي، وخطفه البارق وعطفه الشارق إلا انه لم يفعل. وريما كان سبب ذلك انه لم يستكمل البرق، فيقول العنوان الجزء الأول من سنا البرق الشامي، إيماء إلى انه سيكون هناك جزء ثان، ولكننا لم نعثر عليه.
[مقدمة المؤلف] وما توفيقي إلا بالله (١١٦٣) لنا بعد حمد الله على نعم نافحة الرياض، ونح طافحة الحياض، ونرتع في سارحها ليلًا ونهارًا، ونكرع في شارعها سرًا وجهارًا، ونلبس فضفاضها سائغًا ونرد غياضها سابغًا ثم الصلاة والسلام على سيدنا محمد صفوة الأنام المطل من المجد على الغارب والسنام، الملحى بأنوار هدايته ظلم ليالي الباطل المحلى بقلاليد رسالته بحر الزمان العاطل وعلى آله وأصحابه مصابيح الرحمة ومجاديع الحكمة ومفاتيح الجنة.

1 / 1

فأني لما رأيت أبلغ المراتب وأنجح الوسائل إلى خدمة مولانا السلطان الملك المعظم ملك ملوك العرب والعجم أبي الفتح عيسى بن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب لا زالت سماء الجلالة موشحة بدراري سيره الزاهرة ومطالع الإقبال منورة بأشعة مكارمه الباهرة، والتمسك بعصم العلوم وأهداب الآداب والتوسل بإخراج درر الكلم من لجج الحكم الطامية العباب. حبست نفسي ووقفت نفسي مشيعًا مآثر حضرته العالية، سالكًا مناهج الإخلاص في السريرة والعلانية. فالجنان يضم الولاء النافع، واللسان ينشر الثناء الشايع، والبنان يحرر بل يجيز من مدحه الوشايع أفرغ الاستطاعة جريًا على مقتضى الخدمة والطاعة فيما يرجع بتخليد آثار بيته الكريم، ويعود بأعلى صيته العظيم في نظم تطبق فضائله اللآفاق وتملأ بمناقبه خراسان والعراق، ونثر ينشر حلل معاليه في محافل السلاطين وأندية الملوك، ويبث عرف أياديه وينظم عقد مساجيه مثل العنبر المفروك والجوهر المسلوك. ولما ترجمت لخزانته العالية كتب شهنامة التي توجت فيه سير الملوك والسلاطين الأقدمين يغير مفاخرة وفضلت قلايد مناقبهم وعقود مكارمهم بزهر مآثره نظرت في الكتاب الموسوم بالبرق الشامي للأمام السعيد عماد الدين الأصفهاني فوجدت عمايمه تتدفق بأنواع الفوايد، وكمايمه تتفتق عن أنوار الفوايد، تحتوي من البلاغة على إبكارها وعونها، وتشتمل من البراعة على غررها وعيونها، فيه من السير السلطانية الناصرية والعادلية وساير الدوحة الكريمة الأيوبية ما ينطبق على مثله كثير من الكتب المصنفة في التواريخ والسير القديمة منها والحديثة. لكنني وجدت درر مقاصدة مكنونة في بحار أسجاعه المتلاطمة الأمواج، ورأيت غرر فوايده مغمورة في غمار أوصافه المتتابعة الأفواج ما بين قراين تشابكت قرون لواحقها في إصلاء سوابقها، وأفانين تشاجرت فنون أغصانها في أرجاء حدايقها، فشذبت شجيراتها أدنيت جنا جناتها لقاطفيها وجناتها، واقتصرت منها على ألفاظ هي كالمعارض لخرايد معانيها الرايقة، وكالواسطة في قلايد قراينها المتناسقة، وكشفت أطباق حجبها بل استار سحبها عن محتلى دراري سماتها، وأرحت قساطل خيلها وغياطل ليلها عن مطالع مسمياتها، وتباشير أسمائها ولم أحم من الكتب النشأة في الوقايع المذكورة إلا حول جهة من الكلم الجليلة الفاضلية، ونبذ من الكتب البديعة العمادية سالكًا مسلك الاختصار وناهجًا منهج الاقتصار ثم وقفت له رسالتين في ثلاث مجدات وسم احدتهما بالعقبى والعتبى وهي مشتملة على ما جرى بعد الأيام الصلاحية مدة ثلاثة سنين، ووسم الثانية بخطفة البارق وهي محتوية على الوقايع التي جرت من مفتتح سنة ثلاث وتسعين إلى رمضان سنة سبع وتسعين وفيها تصرمت أيامه ﵀. (١١٦٤) فرأيت أن أذيل بما أنتخبه منهما هذا المختصر لاشتمالهما على طرف من السير الكريمة العادلية أنار الله برهانها ولمع من مطالع أنوار دولة السلطانين العادلين مولانا الملك الكامل ومولانا الملك المعظم خلد الله سلطانهما وأعز أنصارهما وأعوانهما ونتف في مدايحهما الزاهرة ومحامدهما الباهرة ونبذ من أحوالهما في مفتتح جلالهما ومقبل إقبالهما وريعان سلطانهما وعنفوان شأنهما خدمة منى للمواقف الكريمة والعتبات العالية وقضاء لبعض حقوق نعمهما العايدة البادية وأياديها الرابحة العادية وسميته سنا البرق الشامي واستعنت في ذلك وفي جميع أموري بالله ﷾ وهو حسبي ونعم الوكيل. [مقدمة العماد الأصفهاني] قال الأمام العالم ذو البلاغتين عماد الدين ابو عبد الله بن محمد بن محمد ابن حامد الكاتب الأصفهاني ﵀ في صدر كتابه الموسوم بالبرق الشامي وبعد فإن الكريم من عرف حق المنعم عليه وشكر فضل المحسن إليه وإذا خدم مخدومًا أوجد كرمه بذكره وان صار معدومًا وعرف من بين ما عرفه ما كان مكتومًا ومن استكفاني بالإنشاء لتنفيذ أوامره في حياته كافية بالأحياء في إنشاء مفاخرة في مماته وهو الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ابو المظفر يوسف بن أيوب ﵀. فأني صحبته فكان خير مصحوب، وخطبت وده فألفيته الآن مخطوب، ولما انقضى عصره وانقضت عمره

1 / 2

خشيت أن ينقرض ذكره فأنشأت هذا الكتاب وأعطيته من البلاغة حظًا وأعرته من الفصاحة لحظًا وافتكرت وابتكرت صياغته معنى ولفظًا وسميته البرق الشامي لأني وصلت في شعبان سنة اثنتين وستين وخمسمائة في دولة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي سقى الله عهده عماد الرحمة فصادفت الدولة في أيامه والأيام الصلاحية إلى السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين متناسقة المحاسن وهيبتها بطيبها مستمرة على حسنها مستقرة، ثم التفت فإذا هي كبرق ومض وطرف غمض وما أسرع ما انقضت وانقرضت تلك الليالي والأيام والشهور والأعوام. وقد انقضت تلك السنون وأهلها فكأنها وكأنهم أحلام. قال وأنا أقدم في هذا الكتاب ذكر نبذ من أحوالي مع السلطان ثم أبتدئ بذكر معرفتي به وخدمتي له وأضف مبادئ دولته إلى أن وصل إلى الشام وحضرت خدمته، وأصف سيره كل سنة وآتى بشرح حسناته بكل حسنة. قال: ولم يزل قلمي لسيفه مشاركًا ولملكه مداركًا هذا للرزق وذاك للأجل، وهذا للأمن وذاك للوجل. وكان السلطان يعتمد على قلمي وينصر كتابته وهو يقول: الحمد لله الذي لم يضع على العماد اعتمادي وحاط إلى سداده سدادي ثم ما وفي أحد بعهده وفائي بعهده من بعده فأني سيرت معاني معاليه بالنازي الفاضلة وخلدت ذكره في مصنفاتي إلى قيام الساعة وأحييت ذكره بالوفاء وأهديت له حياة ثانية بعد الحياة. ولما نقله الله الكريم إلى جناب جناته واقتسم أولاده ممالكه قلت يسلكوا وينسكوا مناسكه وانهم يعرفون مقداري ويرفعون مناري ويشرحون صدري ولا يضعون قدري فأخلف الظن حتى قطعوا رسومي ومنعوا مرسومي وغوروا منابعي وكدروا مشارعي. قال ومما كتبته في كتاب يتضمن شكوى الحال ما حال ما غصبت أملاكه إملاكه ونصبت إشراكه فكتبت إلى المولى الفاضل في فصل يسلم فيه على ولدي القاضي الولد مقبل العين ويحييه إلى أن تصل القبل إلى اليدين والى أن يسر والده إذا هما في الفضل ثاني اثنتين وما أحسن قول سيدنا غصبت أملاكه ونصبت إشراكه إشراكه واستحسنت ازدواج هاتين الكلمتين ووقعتا مني بموقع بمشاركتي له في المكروهين قال وتمام هذا الفصل من الكتاب الفاضلي وقد شرح من أحواله واعتزاله وصبره واحتماله وتلطفه في تجويز الوقت واحتياله وشكره لقوم لا على إيصال ما لهم إليه ولكن على إيصاله إلى ماله ما ذكرني بابن حيوس وقد مطله صاحب دار الوكالة ببيع بضاعة له. مضى الكرماء صانوا ماء وجهي ... بجود لا برفق بالسؤال وما أنا بعد هم في الناس أبغى ... كريمًا يشتري حمدي بمالي قال ومما كتبته إلى الأجل الفاضل في شكوى قصيدة منها: دمشق تقصد عظمي ... بعرقه أي عرقه إخفاقه لرجائي فيها ... وللقلب خفقه أقمت فيها وحيدًا ... كالدر ضمته حقه [دولة نور الدين زنكي] ذكر الوصول إلى الشام في سنة اثنتين وستين وخمسمائة قال: وصلت إلى دمشق في أيام جلاء حسنها وانجلاء حزنها وغناء أفنانها بالأغاريد وانتشاء إنشائها بالأناشيد فقدمتها في أطيب زمان ونزلت من المدرسة التي وليتها في أحسن مكان. وكان ملكها والذي يتولى ممالكها الملك العادل نور الدين ابو القاسم محمود بن زنكي وأعف الملوك واتقاهم وأثقبهم وأصلحهم عملًا واحجهم أملًا وأرجحهم رأيًا وأوضحهم أيا. وهو الذي أعاد رونق الإسلام إلى بلاد الشام فاستفتح معاقلها واستخلص عقايلها وكانت للفرنج في أيام غيره على بلاد الشام قطايع فقطعها وعفى رسومها ومنعها ونصره الله عليهم مرارًا حتى أسر ملوكهم وبدد سلوكهم وصان الثغور منهم وحماها عنهم وأحيا معالم العلوم الدوارس وبنا لمذاهب السنة والجماعة المدارس وانشأ الخانكات للصوفيه وكثرها في كل بلد وكثر وقوفها وأجد الأسوار والخنادق وأمر في الطرقات ببناء الربط والخانات وهو الذي أعان على فتح مصر وأعمالها وأنشأ دولتها ورجالها. وكان صلاح الدين أحد خواصه وأخلص ذوي استخلاصه ولد نجم الدين أيوب من أكابر أمرائه لا يفارقه راكبًا في ميدانه ولا جالسًا في إيوانه يقف على رأسه ووالده من جلاسه وقد اقتدى به في جميع ما اتصف به من التقى والعفة والنزاهة والنباهة وآداب الملك وأحكام السلطنة فتلقن منه مبادئ الخيرات ثم جاوز بها في أيامه الغايات.

1 / 3

وكانت بيننا وبين نجم الدين أيوب معرفة قديمة من تكريت حيث كان بها واليًا وسببه أن عمي العزيز أحمد بن حامد ودعه السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه في قلعة تكريت إشفاقًا عليه من قصد من صار في منصبه فجد في نصيبه وبذل فيه ثلثمائة ألف دينار ليعتقل ويحضر هو ما بذله ويعجل فمال إلى المال وسير العزيز إلى تكريت برسم الاعتقال وذلك في سنة خمس وعشرين وخمسمائة فسعى ذلك الوزير في قتل السلطان بالسم واجلس أخاه طغرل في السلطنة وتفرد بالحكم فعلق رهن العزيز ودأب مرارًا إلى تكريت من يباشر قتله فلم يقبل واليها نجم الدين خدعه وقتله وتولى أخو الوالي أسد الدين شيركوه صوته ولم يزل في حمايته وعونه. قال وسمعت أسد الدين في سنة اثنتين وستين وهو يحكي إلى نصرته لعمي فلما كنت جالسًا في المحراب يومًا عنده وهو يقرأ من القرآن ورده فسمعت هاتفًا يقول: قد جعلك الله عزيزًا كما دافعت عن العزيز فالتفت غلي وقال: أعمل وأعلم. قال أسد الدين: فمن ذلك اليوم سمت همتي وتمت عزمتي وبدهاء عمك العزيز طمعت في مصر وان أصير عزيزها وحرصت على أن أملكها وأحرزها. ذكر سبب وصولي إلى دمشق قال: وكان انصرافي من بغداد ووصولي إلى الشام لا لقصد أحد من الكرام ولكن استوحشت هناك لفارط الاستدراك وذلك أن الوزير عون الدين يحيى بن محمد بن هبيره مال لفضله إلى فضلي واقتطعني إليه وولاني نيابته بالبصرة تارات وبوسط كرات وعرفت به فلما توفي في سنة ستين أقمت بغداد بعده وكل من هو إليه منسوب مكبوت ومكبوب وما طرقتني بحمد الله آفة ولا عرتني مخالفة وأنا إلى الفقهاء منقطع، وبالمناظرة وبالمباحثة معهم منتفع، ومنهم فقيه من أهل دمشق يصف طيب رياضها وبهجة جواهرها وأعراضها وصحة هوائها وقلة أمراضها فراقتني معرفته وشاقتني صفته فقلت أجعلها سنة فرجة أسافر لأسفار صبحي بسري دجله وأقصد إيناس قلبي وتنفيس كربي ورافقني وما فارقني حتى وصل بي إلى قرب دمشق فانقطع عني وساء بعد الإحسان به ظني فلم أدر في أي مطار طار والى أي مصير صار فبقيت غريبًا وحيدًا ولقيت من استيحاشي هما شديدًا وقلت لأصحابي: أضربوا لي خيمة عسى أن نعرف أحدًا يسدي يدا فقد رضينا بمصيف ومقيل بلا قيل وظل ولو انه غير ظليل. وقد نمى خبري إلى بعض الصوفية فدخل إلى القاضي كمال الدين ابي الفضل محمد بن عبد الله بن القاسم الشهروزي وهو يومئذ قاضي دمشق وقال له فلان قد ورد البلد فبينا نحن في تحير وتفكر وتوهج وتسعر إذا جاء خواص القاضي وحجابه وعدول مجلسه ونوابه يعتذرون عن تأخره لأمر أناله وانه يخفي عنك سؤاله ويقول انزل حيث تختار النزول بالمدرسة فنزلت في المدرسة التي أنا الآن مدرسها وترددت إلى القاضي في محافل علمه ومجالس حكمه واستددلت واعترضت في الأصول والفروع على الأئمة الفحول. وعرف (١١٦٥) الأمير نجم الدين بالوصول فبعثته معرفة العم العزيز على التعرف بي فبكر إلى منزلي لتبجيلي وتحقيق تأميلي واستقبلته وأسرعت إلى بساط الأدب فقبلته وخدمته بهذه القصيدة في أواخر شوال سنة اثنتين وستين وأخوه أسد الدين شيركوه وولده صلاح الدين يوسف قد توجها في هذه السنة إلى مصر وهي النوبة الثانية. قلت وأول القصيدة: يوم النوى ليس من عمري بمحسوب ... ولا الفراق إلى عيشي بمنسوب لم أنس أنسى بكم والشمل مجتمع ... وعيشتي ذات تطريز وتذهيب أرجو إيابي إليكم ظافرًا عجلًا ... فقد ظفرت بنجم الدين أيوب ومنها في ذكر أخيه وابنه وما تفرس من ملك مصر وقد تم ذلك بعد سنتين. غدًا يشبان في الكفار نار وغى ... بلفحها يصبح الشبان كالشيب ويستقر بمصر يوسف وبه ... تقر بعد التنائي عين يعقوب ويلتقي يوسف فيها باخوته ... والله يجمعهم من غير تثريب فأرجوا الإله فعن قرب بنصرته ... سيكشف الله بلوى كل مكروب فصل

1 / 4