أنت تؤثر كتاب "إحياء علوم الدين" وتزعم انفراده في جنسه، ونفاسته في نفسه.
فاعلم أن في كتاب "الإحياء" آفات لا يعلمها إلا العلماء. وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة والموقوفة، وقد جعلها مرفوعة، وإنما نقلها كما اقتراها لا أنه افتراها، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع، والاغترار بلفظ مصنوع.
وكيف أرتضي لك أن تصلي صلوات الأيام ولياليها، وليس فيها كلمة قالها رسول الله ﵌.
وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه (١) وندب إلى العمل به مالا حاصل له من الكلام في الفناء، والبقاء، والأمر بشدة الجوع، والخروج إلى السياحة في غير حاجة، والدخول في الفلاة بغير زاد، إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره (٢) في كتابي المسمى بـ "تلبيس إبليس (٣) "
وسأكتب لك كتابًا يخلو عن مفاسده، ولا يخل بفوائده، أغتمد فيه من النقول الأصح والأشهر، ومن المعنى الأثبت والأجود، وأحذف ما يصلح حذفه، وأزيد ما يصلح أن يزاد.
ثم قال بعد ذلك [ابن الجوزي]: وإذ قد صح عزمك على العزلة لاستيفاء حق الحق من النفس، والأخذ على يدها، فليكن وكيلك عليها العلم، وكن باحثًا عن دقائق هواها لعلك تسلم، واحذر سبيل أحد رجلين:
عالم عرف الجدال في الفقه واقتنع برئاسته، أو نال القضاء فسعى في حفظ منزلته، أو زخرف الوعظ فضيق أعين شبكته.
أو زاهد يتقلب برأيه الفاسد في جهالته، ويتقرب بتقبيل يده واعتقاد بركته، ويعمل بهواه دون شرع الله وسنته.
فهذان عادلان عن منهاج الصواب، مقتنعان بقشور الأعمال عن خالص اللباب، خادعان للمبتدئين بلامع السراب، وطريقهما بمعزل عن سنن السلف الصالح الذي هو جادة الاستقامة وطريق السلامة.
_________
(١) أي صاحب الإحياء.
(٢) العوار بالفتح: العيب وقد يضم.
(٣) طبع مكتبة دار البيان بدمشق بتحقيق الاستاذ خير الدين وانلي.
1 / 11