قدمه على البيان، لكونه منه بمنزلة المفرد من المركب، لان رعاية المطابقة لمقتضى الحال وهو مرجع علم المعاني، معتبرة في علم البيان، مع زيادة شئ آخر وهو ايراد المعنى الواحد في طرق مختلفة. (وهو علم) أي ملكة يقتدر بها على ادراكات جزئية، ويجوز ان يريد به نفس الاصول والقواعد المعلومة، ولاستعمالهم المعرفة في الجزئيات. قال (تعرف به احوال اللفظ العربي) أي هو علم يستنبط منه ادراكات جزئية، وهى معرفة كل فرد فرد من جزئيات الاحوال المذكورة، بمعنى ان أي فرد يوجد منها امكننا ان نعرفه بذلك العلم. وقوله (التى بها يطابق) اللفظ (مقتضى الحال) احتراز عن الاحوال التي ليست بهذه الصفة، مثل الاعلال والادغام والرفع والنصب وما اشبه ذلك مما لابد منه في تأدية اصل المعنى، وكذا المحسنات البديعية من التنجيس والترصيع ونحو هما مما يكون بعد رعاية المطابقة. والمراد انه علم يعرف به هذه الاحوال من حيث انها يطابق بها اللفظ مقتضى الحال، لظهور ان ليس علم المعاني عبارة عن تصور معاني التعريف والتنكير والتقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك. وبهذا يخرج عن التعريف علم البيان، إذ ليس البحث فيه عن احوال اللفظ من هذه الحيثية، والمراد باحوال اللفظ: الامور العارضة له من التقديم والتأخير والاثبات والحذف وغير ذلك. ومقتضى الحال في التحقيق هو الكلام الكلى المتكيف بكيفية مخصوصة على ما اشار إليه في المفتاح، وصرح به في شرحه لا نفس الكيفيات من التقديم والتأخير والتعريف والتنكير على ما هو ظاهر عبارة المفتاح وغيره، والا لما صح القول بانها احوال بها يطابق اللفظ مقتضى الحال، لانها عين مقتضى الحال، قد حققنا ذلك في الشرح. واحوال الاسناد ايضا من احوال اللفظ، باعتبار ان التأكيد وتركه مثلا من الاعتبارات الراجعة إلى نفس الجملة، وتخصيص اللفظ بالعربى مجرد اصطلاح، لان الصناعة انما وضعت لذلك. (وينحصر) المقصود من علم المعاني (في ثمانية ابواب): انحصار الكل في الاجزاء لا الكلى في الجزئيات، والا لصدق علم المعاني على كل باب من الابواب المذكورة، وليس كذلك (احوال الاسناد الخبرى) و(احوال المسند إليه) و(احوال المسند) و(احوال متعلقات الفعل ) و(القصر) و(الانشاء) و(الفصل) و(الوصل) و(الايجاز) و(الاطناب) و(المساواة). وانما انحصر فيها؟ (لان الكلام اما اخبار أو انشاء لانه) لا محالة يشتمل على نسبة تامة بين الطرفين، قائمة بنفس المتكلم وهى تعلق احد الشيءين بالاخر، بحيث يصح السكوت عليه سواء كان ايجابا أو سلبا أو غيرهما كما في الانشائيات وتفسيرها بايقاع المحكوم به على المحكوم عليه أو سلبه عنه خطأ في هذا المقام، لانه لا يشمل النسبة في الكلام الانشائي فلا يصح التقسيم. فالكلام (ان كان لنسبته خارج) في احد الازمنة الثلاثة: أي يكون بين الطرفين في الخارج نسبة ثبوتية أو سلبية (تطابقه) أي تطابق تلك النسبة ذلك الخارج، بان يكونا ثبوتيتين أو سلبيتين (أو لا تطابقه) بان تكون النسبة المفهومة من الكلام ثبوتية، والتى بينهما في الخارج والواقع سلبية أو بالعكس. (فخبر) أي فالكلام خبر (والا) أي وان لم يكن لنسبته خارج كذلك (فانشاء). وتحقيق ذلك ان الكلام اما ان يكون له نسبة بحيث تحصل من اللفظ ويكون اللفظ موجدا لها من غير قصد إلى كونه دالا على نسبة حاصلة في الواقع بين الشيءين وهو الانشاء أو تكون له نسبة بحيث يقصد ان لها نسبة خارجية مطابقة اولا مطابقة، وهو الخبر، لان النسبة المفهومة من الكلام الحاصلة في الذهن لابد وان تكون بين الشيءين، ومع قطع النظر عن الذهن لابد وان يكون بين هذين الشيءين في الواقع نسبة ثبوتية، بان يكون هذا ذاك، أو سلبية بان لا يكون هذا ذاك. الا ترى انك إذا قلت زيد قائم، فان القيام حاصل لزيد قطعا، سواء قلنا ان النسبة من الامور الخارجية أو ليست منها، وهذا معنى وجود النسبة الخارجية. (والخبر لابد له من مسند إليه ومسند واسناد، والمسند قد يكون له متعلقات إذا كان فعلا أو ما في معناه) كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول وما اشبه ذلك، ولا وجه لتخصيص هذا الكلام بالخبر. (وكل من الاسناد والتعليق اما بقصر أو بغير قصر وكل جملة قرنت باخرى ، اما معطوفة عليها أو غير معطوفة، والكلام البليغ اما زائد على اصل المراد لفائدة) احترز به عن التطويل، على انه لا حاجة إليه بعد تقييد الكلام بالبليغ (أو غير زائد). هذا كله ظاهر لكن لا طائل تحته، لان جميع ما ذكر من القصر والفصل والوصل والايجاز ومقابليه، انما هو من احوال الجملة أو المسند إليه والمسند، مثل التأكيد والتقديم والتأخير وغير ذلك، فالواجب في هذا المقام بيان سبب افرادها وجعلها ابوابا برأسها وقد لخصنا ذلك في الشرح.
صفحه ۲۹