Mukhtasar Ma'arij al-Qubool
مختصر معارج القبول
ناشر
مكتبة الكوثر
شماره نسخه
الخامسة
سال انتشار
١٤١٨ هـ
محل انتشار
الرياض
ژانرها
بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ الْأَطِبَّاءِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ﷺ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي اسْتَشْهَدَ لِصِحَّةِ الْعَدْوَى بِكَوْنِ الْبَعِيرِ الْأَجْرَبِ يَدْخُلُ فِي الْإِبِلِ الصِّحَاحِ فَتُجْرَبُ، فَقَالَ لَهُ ﷺ: (فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ) يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ابْتَدَأَ الْمَرَضَ فِي الْبَاقِي كَمَا ابْتَدَأَهُ فِي الْأَوَّلِ لَا أَنَّ ذَلِكَ من سريان المرض بطبيعته من سد إِلَى آخَرَ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ نَهْيَهُ ﷺ عَنِ الْمُخَالَطَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ بِأَنَّهَا تُفْضِي إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا لَا اسْتِقْلَالًا بِطَبْعِهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ ﷾ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْأَسْبَابَ وَمُسَبَّبَاتِهَا فَإِنْ شَاءَ تَعَالَى أَبْقَى السَّبَبَ وَأَثَّرَ فِي مُسَبَّبِهِ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدَرِهِ، وَإِنْ شَاءَ سَلَبَ الْأَسْبَابَ قُوَاهَا فَلَا تُؤَثِّرُ شَيْئًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النُّفُوسَ تَسْتَقْذِرُ ذَلِكَ وَتَنْقَبِضُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَتَشْمَئِزُّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ وَتَكْرَهُهُ جِدًّا لاسيما مَعَ مُلَامَسَتِهِ وَشَمِّ رَائِحَتَهُ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ تَأْثِيرٌ بِإِذْنِ اللَّهِ فِي سِقَمِهَا قَضَاءً مِنَ اللَّهِ وَقَدَرًا لَا بِانْتِقَالِ الدَّاءِ بِطَبِيعَتِهِ كَمَا يَعْتَقِدُهُ أهل الجاهلية.
فإذا تبين لك الْجَمْعَ بَيْنَ نَفْيِ الْعَدْوَى وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِمُجَانَبَةِ الدَّاءِ تَبَيَّنَ لَكَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ ﷺ قَدْ أَمَرَ الْمُصِحَّ بِمُجَانَبَةِ الدَّاءِ فَلِأَنْ يَنْهَى الْمُمْرِضَ عَنْ إِيرَادِهِ عَلَى الْمُصِحِّ مِنْ بَابٍ أَوْلَى، فَإِنَّ الْعِلَلَ الَّتِي قَدَّمْنَا أَنَّهَا مِنْ سَبَبِ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَى الْوَبَاءِ وَالْأَمْرُ بِمُجَانَبَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِي إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ بِزِيَادَةِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِاخْتِيَارِ الْمُصِحِّ كَقُدُومِهِ هُوَ بَلْ مَعَ كَرَاهَتِهِ لَهَا وَانْقِبَاضِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُمْرِضِ وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ إِلَى بُغْضِهِ إِيَّاهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ نَفْيَ الْعَدْوَى مُطْلَقٌ عَلَى عُمُومِهِ، وأن المراد أن المرض لا يسري بطبيعته من جسد إلى آخر، وَفِيهِ إِفْرَادُ اللَّهِ ﷾ بِالتَّصَرُّفِ فِي خَلْقِهِ وَأَنَّهُ مَالِكُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَبِيَدِهِ النَّفْعُ والضر، وَلَيْسَ التَّوَكُّلُ بِتَرْكِ الْأَسْبَابِ بَلِ التَّوَكُّلُ مِنَ الأسباب بل هو أرجحها وأنفعها،؟ كَمَا أَنَّ مَنِ اضْطَرَبَتْ نَفْسُهُ وَوَجِلَ قَلْبُهُ فَرَقًا وَخَوْفًا وَارْتِيَابًا وَعَدَمَ يَقِينٍ بِالْقَدَرِ لَا يكون متوكلًا على الله
1 / 297