* بسم الله الرحمن الرحيم
* مقدمة المحقق
الحمد لله ... ثم الحمد لله ... ثم الحمد لله ( عالم الغيب والشهادة ) [التوبة : 94] خلق ما تعلمون وما لا تعلمون ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [البقرة : 255] ، ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) [المدثر : 31] ، سبحانه أراد أن يعلمنا أن ( وفوق كل ذي علم عليم ) (76) [يوسف : 76] سبحانه لا يعلم قدره غيره ، وأخشانا له أعلمنا به وأتقانا ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) [فاطر : 28] حيث علموا بما أعلمهم ما لم نعلم فخشوه بما علموا من بعض عظيم قدرته وقدره ، ومع هذا قال : ( وما قدروا الله حق قدره ) [الزمر : 67 ، الأنعام : 91 ، الحج : 74].
وأشهد أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى لا شريك له ، علم ما كان وما قبل ما كان ، وما وراء الأكوان جل شأنه مكون الأكوان بما لا تدركه الأذهان. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم القائل : «لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحتكم قليلا». فقام إعظاما لما علم من قدر ربه عز وجل حتى تورمت قدماه ، وقال : أفلا أكون عبدا شكورا ، فعبد على قدر طاقته واستطاعته ليوفي شيئا من قدره فقضى نهاره صائما ووصله بالليل قائما.
وقالت ملائكة الرحمن : «سبحانك ما عبدناك حق عبادتك» بعد أن قضوا أعمارهم في طاعته دون أدنى معصية ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (6)) [التحريم : 6] ، فإنه من البديهي أن تظهر عظمة المخلوق بعضا من عظيم قدرة الخالق ، ففي ملموساتنا ومحسوساتنا مثلا ، انظر إلى الدنيا واتساعها تشعر بأنه الواسع ، وبقدر رهبة النهار يتجلى لك أنه المبين ، وبقدر هبة الليل وظلمته وإخفاءه تشعر بأنه الباطن ، وكيف يلبس الليل بالنهار والنهار بالليل ، ولو تدبرنا أمرا واحدا مما علمناه أو بالأحرى عرفنا شيئا عنه لفني عمرنا وحارت عقولنا وما علمنا عنه غير أقل من القليل وعرفنا شيئا من عظيم قدرته وجليل علمه سبحانه وتعالى العليم الحكيم لا يعلم قدره غيره.
** أما بعد :
فعن هذا الكتاب ، فقد خاض بنا مؤلفه رحمنا الله وإياه عباب بحور الدنيا ومحيطاتها ، وهام بنا في براريها ، وصعد بنا جبالها ومشى بنا في سهولها ، وولج بنا
صفحه ۵