دعنا في مثل هذا الاجتماع الرفيع ندرس السمات الكبرى للاستقامة: هي حب للخير شديد، واستقلال عن الأصدقاء، حتى لا تنقص الرغبات المتعسفة عند أولئك الذين يحبوننا من حريتنا، ولكي نقاوم من أجل الحق تلك الشفقة التي تتدفق بغير حساب، ونناشد عواطف أرقى من هذه العواطف، وكذلك نوع من الامتياز البارز، الامتياز الذي لا يأبه برأي الناس، ولكنه في صميمه وفي ظاهره فضيلة، من المسلم به أنها تخطو الخطوة الصحيحة الجريئة الكريمة دون أن يفكر أحد في الثناء عليها (وهو أسمى صفة نعرف بها هذا العنصر الجميل). إنك تمتدح المهرج إذا قام بعمل طيب، ولكنك لا تثني على الملاك. والصمت الذي نتقبل به جدارة الجدير كأنها أقرب شيء في الدنيا إلى الطبيعة، هو أعلى من كل تصفيق. أمثال هذه الأرواح - عندما تظهر - هي حرس الفضيلة الإمبراطوري، وهي المعين الدائم، هي التي تتحكم في الأقدار. وليس المرء بحاجة إلى الثناء على شجاعتها، فهي قلب الطبيعة وروحها. أيها الأصدقاء، إن لدينا لموارد لم نستغلها، ومن الناس من ينهض منتعشا حينما يستمع إلى تهديد، ومن الناس من تأتيهم الأزمات رشيقة مستحبة كالعروس، وهي الأزمات التي تفزع أكثر الناس وتصيبهم بالشلل؛ لأنها لا تتطلب منهم القدرة على التبصر والتدبر، وإنما تتطلب الإدراك والسكون والاستعداد للتضحية. يقول نابليون عن مسينا إنه لم يكن نفسه حتى بدأت رحى المعركة تدور ضده. وعندما بدأ الموتى يسقطون حوله صفوفا، تيقظت قدرته على الجمع بين الأشياء، فارتدى ثياب الفزع والنصر في آن واحد. وكذلك الحال في الأزمات الوعرة، وفي القدرة على الاحتمال التي لا تكل، وفي الأغراض التي لا تعبأ بالعواطف فتظهر الملاك الخفي. ولكن هذه أمجاد لا نكاد نذكرها أو نتطلع إليها دون ندم أو خجل. ولنحمد الله على وجود هذه الأشياء.
والآن دعنا نبذل ما استطعنا من جهد كي نعيد إشعال النار الخامدة التي أوشكت أن تنطفئ على المذبح. إن مساوئ الكنيسة القائمة الآن ظاهرة. وإنا لنتساءل مرة أخرى: ماذا نصنع؟ إني أعترف أن كل محاولة للتفكير في عبادة جديدة وإقامتها على شعائر وصور جديدة يبدو لي عبثا باطلا. إن الإيمان يصنعنا ولا نصنع الإيمان، والإيمان يصنع صوره الخاصة به. وكل محاولة لاستنباط نظام ما محاولة فاترة فتور العبادة الجديدة التي أوجدها الفرنسيون لإلهة «العقل». إنها اليوم لعب وزينة، ولكنها تنتهي غدا بالجنون والقتل. وخير لكم أن تتنفسوا أنفاس الحياة الجديدة عن طريق الصور القائمة فعلا؛ لأنكم إن دبت فيكم الحياة وجدتم هذه الصور مرنة وجديدة، وعلاج نقائصها هو الروح أولا، والروح ثانيا، والروح في كل حين. إن بابوية بأسرها من الصور تستطيع نبضة واحدة من نبضات الفضيلة أن ترفعها وتحييها. لقد أعطتنا المسيحية ميزتين لا تقدران؛ أولاهما: «اليوم الديني»، وهو بهجة الدنيا بأسرها، التي يشرق ضياؤها فيلقى ترحيبا في برج الفيلسوف كما يلقاه في المصنع أو غرفة السجن، ويوحي في كل مكان - حتى للأدنياء - بكرامة الكائن الروحاني، فليقم هذا اليوم دائما محرابا ترد المحبة الجديدة والإيمان الجديد والمشهد الجديد إليه سناء أبهى من سنائه الأول للبشر. وثانيتهما: فكرة الوعظ، أو حديث المرء للناس. وهو بطبيعته أكثر الأدوات وأكثر الصور مرونة. وماذا يمنعكم اليوم، في كل مكان، فوق المنابر، وفي قاعات المحاضرات، وفي البيوت والحقول، وحيثما ترشدكم دعوة الناس، أو ترشدكم ظروفكم، ماذا يمنعكم من التفوه بالحق الذي تعلمتموه من حياتكم ومن ضمائركم؟ ماذا يمنعكم من تشجيعكم لقلوب الناس المترقبة الواهنة بأمل جديد وكشف جديد؟
إني لأتطلع إلى الساعة التي يتكلم فيها في الغرب كذلك ذلك الجمال العلوي الذي افتتنت به أرواح أولئك الشرقيين، وبخاصة أولئك العبريون، الذين تحدث الأنبياء من خلال شفاههم لكل زمان. إن الكتب المقدسة العبرية والإغريقية تتضمن عبارات خالدة كانت للملايين خبز الحياة. ولكن هذه العبارات ليس لها تكامل الملاحم، متقطعة، لا تبدو للذهن منظمة مرتبة. وإني لأتطلع إلى المعلم الجديد الذي يتابع هذه القوانين المشرقة، حتى يراها كاملة الاستدارة، ويرى جمالها الكامل الشامل، ويرى العالم مرآة الروح، ويرى التطابق بين قانون الجاذبية وطهارة القلب، ويثبت أن ما ينبغي أن يكون، أو الواجب، هو والعلم والجمال والسرور شيء واحد.
المقالات: المجموعة الأولى
(نشر أمرسن كتابه الثاني في عام 1841م. ولقد صدر بعد ذلك مباشرة تقريبا في إنجلترا بمقدمة لكارليل. وأكثر المقالات يتألف من محاضرات ألقاها أمرسن في أماكن متنوعة خلال السنوات السابقة.)
التاريخ
ليس هناك كبير أو صغير،
عند الروح التي تصنع كل شيء،
والتي حيثما تحل، تكون جميع الأشياء،
وإنها لتحل في كل مكان. •••
صفحه نامشخص