١٩٢٧: مختارات قصصية لريونوسكيه أكوتاغاوا
١٩٢٧: مختارات قصصية لريونوسكيه أكوتاغاوا
ژانرها
مشيت في الطريق وأنا أشاهد نوافذ العرض المتنوعة، كانت نافذة عرض محل إطارات اللوحات تتزين بلوحة بورتريه لبيتهوفن، تبدو اللوحة وكأنها فعلا لذلك العبقري الذي يرفع شعر رأسه لأعلى، ولم أكن أحتمل إلا أن أرى بيتهوفن ذلك هزليا مضحكا ...
وعندها قابلت فجأة صديقا قديما من أيام المدرسة الثانوية. كان ذلك الأستاذ الجامعي في تخصص الكيمياء التطبيقية يحمل حقيبة كبيرة مطوية للداخل وعين واحدة من عينيه شديدة الحمرة تكاد الدماء تنزف منها. «ما الذي حدث لعينك؟» «هذه؟ مجرد التهاب باطن الجفن.»
ثم تذكرت فجأة أنني منذ أربع أو خمس عشر سنة كلما أحسست بتجاذب اختياري كانت عيني تصاب بالتهاب باطن الجفن مثل عينه تلك، ولكنني لم أقل شيئا. خبط الصديق على كتفي وبدأ يحدثني عن أصدقائنا المشتركين، ثم صحبني إلى مقهى وهو مستمر في الحديث.
أشعل الصديق سيجارته ثم تحدث إلي عبر الطاولة المصنوعة من الرخام قائلا: «لم نتقابل منذ فترة طويلة، أليس كذلك؟ ربما منذ حفل وضع حجر أساس اللوح التذكاري للفيلسوف زهو زيهيو.» «حقا، منذ زهو ...»
لسبب ما لم أستطع نطق اسم زهو زيهيو نطقا صحيحا، لقد كان النطق الياباني للاسم سببا في إحساسي بالقلق إلى حد ما، ولكنه تحدث بلا مبالاة في العديد من الأمور، تحدث عن الروائي الذي يسمى «ك»، وعن الكلب الذي اشتراه من نوع بولدوغ، وعن غاز اللويسايت السام. «على ما سمعت أنك أصبحت لا تكتب مطلقا، لقد قرأت لك «قائمة الموتى»... هل تلك القصة من السيرة الذاتية لك؟» «أجل، إنها من سيرتي الذاتية.» «لقد كنت تبدو مريضا نوعا ما، هل تحسنت صحتك الآن؟» «لا تغيير، ما زلت أتناول الأدوية على الدوام.» «أنا كذلك أعاني من الأرق مؤخرا.» «أنا كذلك؟ لم تقول أنت: أنا كذلك؟» «ألست تقول إنك تعاني من الأرق؟ إن الأرق خطير ...»
برزت على عينه اليسرى شديدة الحمرة فقط ما يشبه الابتسامة، قبل أن أجيب عليه، بدأت الإحساس أنني لا أستطيع نطق كلمة «أرق» نطقا دقيقا. «إنه الأمر الطبيعي لابن مجنونة.»
لم يمر عشر دقائق إلا وكنت أمشي وحيدا في الطريق مرة أخرى، ثم بدأت أرى أوراق القمامة التي سقطت فوق الأسفلت على أشكال أوجهنا نحن البشر، وعندها مرت بي من الجهة الأخرى امرأة بشعر قصير. كانت تبدو جميلة من بعيد، ولكن عندما أتت أمام عيني ونظرت إليها، كان وجهها دميما فوق أنه مليء بالتجاعيد الصغيرة. ليس هذا فقط بل كانت تبدو حبلى. أشحت بوجهي عنها تلقائيا، وانعطفت في حارة جانبية واسعة، ولكن أثناء سيري لبعض الوقت، بدأت أشعر بألم البواسير. كان ذلك المرض لا يمكن شفاؤه بالنسبة لي إلا من خلال الجلوس في حمام من الماء الساخن. «الجلوس في حمام؟ لقد كان بيتهوفن كذلك يعالج من خلال الجلوس في حمام ...»
على الفور بدأت رائحة الكبريت المستخدم في ذلك الحمام تهجم في أنفي، ولكن بالطبع لم أر كبريتا في أي مكان من الطريق، اجتهدت في المشي في طريقي وأنا أتذكر مرة أخرى أوراق القمامة التي على هيئة ورود.
بعد مرور ساعة واحدة فقط، وأنا منعزل تماما في غرفتي، جالسا أمام المكتب أسفل النافذة، بدأت في كتابة قصة جديدة. جرى القلم على ورق الكتابة بسرعة متناهية لدرجة أصابتني أنا نفسي بالدهشة، ولكن توقفت تلك الحالة بعد مرور ساعتين أو ثلاث ساعات من خلال شخص لا تراه عيناي، فاضطررت إلى ترك المكتب، وأخذت أدور في أرجاء الغرفة، حتى في هذا الوقت تكون أوهامي المبالغ فيها في أشد حالاتها، وبت أشعر وسط الفرحة البوهيمية أنني مجرد روح طردت من قلمي، ليس لي أبوان ولا زوجة ولا أطفال.
ولكنني كنت مضطرا بعد أربع أو خمس دقائق أن أتوجه للهاتف والتحدث فيه، كان الهاتف مهما كررت الرد عدة مرات، لا يصل إلي إلا فقط كلمة مبهمة، ولكن على أي حال لا ريب أنني كنت أسمع تلك الكلمة على أنها «مول»، وفي النهاية ابتعدت عن الهاتف، وبدأت أمشي داخل الغرفة مجددا، ولكنني كنت منشغل البال بكلمة «مول» تلك. «مول ...»
صفحه نامشخص