مختارات من القصص الإنجليزي
مختارات من القصص الإنجليزي
ژانرها
وأخيرا جاء ابن عمها. رأيته يخرج علينا من زقاق جانبي، وما كادت عيني تأخذه حتى أيقنت أنه هو الأمريكي الذكي الذي يدرس الفن في باريس. وكان يلبس قبعة ناعمة عريضة الحافة، وسترة لبيسة
3
من المخمل الأسود، رأيت أمثالها كثيرا في «شارع بونابرت»، وكان قميصه ينفرج عن جانب كبير من عنق لم يبد لي على البعد جميلا. وكان طويلا نحيفا وشعره أحمر، وفي وجههه حطاط،
4
وقد لاحظت هذا كله وهو يدنو من المقهى ويحدق في مستغربا وجودي. ولما صار معنا عرفته بنفسي وقلت إني صديق قديم للآنسة سبنسر، فأحد النظر إلي بعينيه الضيقتين المحمرتين. ثم انحنى لي على الطريقة الفرنسية ملوحا بقبعته العريضة.
وقال: «أكنت على السفينة؟»
قلت: «كلا، لم أكن هناك، فإني في أوروبا منذ ثلاث سنوات.»
فانحنى مرة أخرى بتؤدة وأومأ إلي أن أجلس كما كنت، فقعدت لأراقبه وأفحصه قليلا، فقد آن لي أن أعود إلى أختي، وبدا لي أن ابن العم هذا غريب، فما خلقه الله في صورة يلائمها زي بيرون أو روفائيل، ولا كانت سترته المخملية، وعنقه العاري على اتساق مع خصائص وجهه، وكان شعره مقصوصا إلى قريب من جلدة الرأس، وأذنه عظيمة مقبلة على الوجه، متباعدة عن الرأس. وكان في هيئته فتور، وفي قامته انحناء يناقضان ما في عينه الغريبة اللون من الحدة والشدة. ولعلي كنت متحاملا عليه، ولكنه خيل إلي أن في عينيه غدرا. وظل لحظة لا يقول شيئا، وكان يعتمد بيديه على عصاه ويصعد طرفه ويصوبه في الشارع، وأخيرا رفع عصاه ببطء وأشار بها وهو يقول: «هذا حسن.» وكان يميل رأسه ويداني بين جفونه وهو ينظر، فوجهت عيني إلى حيث كان يومئ بعصاه، فرأيت خرقة حمراء معلقة من شباك قديم. وقال: «لون حسن.» وحول إلي لحظه من غير أن يحرك رأسه وقال: «يكون جميلا في الرسم.» وكان صوته ناشفا جامدا خاليا من الصقل.
فقلت: «أرى أن لك لنظرا. وقد أخبرتني ابنة عمك أنك تدرس الفن.»
فنظر إلي بعينه المغضية ولم يجب، فمضيت في كلامي بلطف متكلف: «أحسبك تعمل مع واحد من هؤلاء العظماء.»
صفحه نامشخص