مختارات من القصص الإنجليزي
مختارات من القصص الإنجليزي
ژانرها
فقال: «لقد رأيت عشرات من جثث الغرقى في معرض المجهولين، وقد وجدت معهم إقرارات بأنهم انتحروا في نهر السين لأنهم خسروا مالهم على مائدة القمار. ومن أدراني أنهم لم يدخلوا البيت الذي دخلته؟ وربحوا كما ربحت؟ وناموا حيث رقدت؟ واختنقوا فيه؟ ثم ألقوا بهم في النهر وفي ثيابهم إقرار كتبه القتلة؟ إنه ما من أحد يستطيع أن يقول كم لقوا الحتف الذي نجوت أنت منه.
وقد كتم أهل هذا البيت سر آلتهم عنا نحن الشرطة، وتكفل الموتى بكتمان باقي السر. والآن عم مساء، أو على الأصح عم صباحا يا سيد فولكنر. وأرجو أن تعود في الساعة التاسعة، وإلى الملتقى!»
ولم يبق من قصتي إلا قليل، سئلت مرة وأخرى، وفتش كل مكان في البيت، واستجوب المقبوض عليهم، كل واحد منهم بمفرده، واعترف اثنان منهم. وتبينت أنا أن «الجندي القديم» هو صاحب بيت القمار، وأظهر التحقيق أنه طرد من الجيش من سنين لسوء سيرته، وأنه اقترف كل ضروب الآثام بعد ذلك، وأن عنده مسروقات شتى عرفها أصحابها، وأنه هو والضريب وشريك آخر والمرأة التي وضعت لي المخدر في القهوة، يعرفون جميعا سر السرير، وكان هناك شك في أن غيرهم ممن يعملون في هذا البيت يعرفون شيئا عن الأداة الخانقة المركبة فيه، فانتفعوا بهذا الشك، وعدهم القضاء لصوصا ومتشردين. أما الجندي القديم وشريكاه فحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، وأما المرأة فكان نصيبها السجن سنوات نسيت عددها. وعد الذين يختلفون إلى هذا البيت بانتظام «مشتبها فيهم» ووضعوا تحت المراقبة ولبثت أسبوعا كاملا (ما كان أطوله!) وأنا أبرز رجل في المجتمع الباريسي. واتخذ ثلاثة من مشاهير الروائيين، حادثتي موضوعا لقصصهم المسرحية، ولكنها لم تر الضوء ولم تمثل منها واحدة لأن الرقابة منعت أن تظهر على المسرح صورة صادقة لهذا السرير.
على أن الحادثة أثمرت خيرا لا شك أن أية «رقابة» لا يسعها إلا أن تحمده. ذلك أنها شفتني وزهدتني في لعبة «الأحمر والأسود» وبغضت إلي التسلي بها، وسيظل منظر الغطاء الأخضر، وعليه أوراق اللعب، وأكوام الفلوس، مقرونا عندي بمنظر سقف سرير يهبط علي ليخنقني في ظلام الليل وسكونه.
هوامش
وليم هيل هوايت (مارك روذرفورد)
1831-1913
نفس رضية
منذ أربعين سنة خلت كنت «كاتبا» في ديوان للحكومة في «هوايتهول» وكنت قد قضيت في عملي هذا ثلاث سنوات. وكان أبي على شيء من الخفض في العيش وله ألف وخمس مائة فدان، ولما لم يكن له من الولد سوى بنت وغلام فقد وسعه أن يدخلني في مدرسة «هارو» التي تعلم هو فيها، وقد انتقلت من «هارو» إلى «كمبردج» وأديت الامتحان الخاص بالخدمة المدنية بنجاح، وما لبثت أن خطبت «مرغريت راشورث» بنت راعي الكنيسة ببلدة «همسورث» على مسافة خمسة أميال من بلدتنا، وفي سنة 1870 بنيت بها. وكان أبي يوسع علي بمائة جنيه في العام غير ما أتقاضاه من عملي، وكان لمرغريت خمسون جنيها في العام، فاتخذنا لنا بيتا في «بلاك هيث.»
ولم تكن مرغريت ذات ولوع بالقراءة، وإن كانت تجيد تحصيل ما تقرأ وقد حدثت نفسي أنها ستتفتح، أعني أن تشغف بالأدب وتغرى بالاطلاع عليه ولكنها لم تفعل ولم يصدق ظني، ولعله كان لا يسعها إلا أن تنمو وتنضج وفق طبيعتها، وعسى أن يكون الله قد شاء - وإن كانت هي لا تدري - أن تبقى طبيعتها الخاصة غير مشوبة أو متأثرة بطبيعة أخرى. أما أنا فكنت على نقيضها ولم تكن لي حياة إلا في الكتب، وكنت أيام كمبردج قد دخلت في الأدب دخولا ثابتا فأصبحت أمقت اللهو ولا أطيق الفراغ. وكان حبي للكتب هو الذي يرجع إليه بعض ما في من عيوب، ومن بينها فقدان الشعور بالتناسب، والإدراك الصحيح للقيم الحقيقية للأشياء. فقصيدة قصيرة من ثلاثة مقاطع أو أربعة، أو بضعة أبيات من قصة «اغتصاب خصلة الشعر» ترجح عندي بأخبار الحوادث الجسام، بل كان خيرا عندي، وأولى بي في رأيي، أن أعرف كيف كان شكسبير يربط حذاءه من الإلمام بأحكام قانون ثوري كقانون الإصلاح. وكان الحديث لا يطيب لي إلا إذا دار على ما أقرأ، ولا شك أن كثيرين كانوا يعدونني مغرورا مفتونا متحذلقا، وأعترف أن مخالطتي كانت لا رضية ولا مطلوبة، وكان الهزالون والفارغو القلوب والرءوس يضحكون مني ويتهكمون علي، لأن الرجل الجاد مثلي يكون لأمثالهم عرضة استهزاء من العسير عليهم أن يصدوا أنفسهم عن ركوبه بالعبث والمجانة.
صفحه نامشخص