وهذا وهذا من الخيال الفسل
5
السخيف!
وبعد، فهذه فسولة الكلام وسخفه إنما ترجع في قرض الشعر، في الجملة، إلى أحد شيئين : إما لأن الناظم لا طبع له ولا شاعرية فيه، فهو يتصيد الخيال تصيدا ويصنعه صنعا، ليجيء بنحو ما يجيء به الشعراء، وإما للرغبة في شدة المبالغة، والإيفاء على الغاية من المديح ونحوه، فيسف الشاعر ويستخف، ويأتي بمثل هذا الهذيان الذي أتى به ذانك الشاعران، إلى أن طبيعة هذه الموضوعات ليس فيها مجال عريض لشعور صحيح، ولا لخيال واضح صريح، والحمد لله الذي عفى على كثير من هذا الأدب في العصر الذي نعيش فيه.
وانظر، بعد هذا، كيف يقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان ووصف كرمه، وكيف، على أنه غلا في ذلك أشد الغلو، أتى لهذا الكرم بصورة قوية مسبوكة سائغة:
قد أحدث المبتغون الخير من هرم
والسالكون إلى أبوابه طرقا
من يلق يوما على علاته هرما
يلق السماحة منه والندى خلقا
وذلك لأن ممدوحه كان جوادا حقا، وأنه هو تأثر بشدة جوده حقا، وهو إلى هذا شاعر فحل، خصب الذهن سري الخيال، فلم يتعمل ولم يتعسف، بل لقد انتضح شعره بالصورة التي جادت بها شاعريته؛ فجاءت - على إمعانها في الغلو - سائغة مسبوكة لا نشوز فيها على الأذواق، وهذا هو الفرق بين الخيال المطبوع، وبين الخيال المصنوع. •••
صفحه نامشخص