الفكرة ، يميل مع كل مستميل ، ويحول، إذا استحيل ، واستحوذ عليه مماليكه الخاصكية الصغار استحواذا أفسد نظام دولته ، وغير خواطر الأكابر من أمراء مملكته . ثم أوهموه منهم ، ونفوه عنهم ، وحسنوا له إمساكهم . فكان أول من أمسك خاله الأمير بدر الدين محمد بن بركتخان . ثم بعده ، الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، الذي كان والده يعده لمهمات الأمور ، ويشركه في الأسرار التي لا تؤمن عليها الصدور ، وتعب في إحضاره من التتار بأنواع الحيل ، وفداه بابن صاحب سيس . وأمسك الأمير بدر الدين بيسرى ، وكان من والده بمنزلة الولد من الوالد والزند من الساعد . ثم أنهم خلوه من الأمير شمس الدين المفارقاني ، نائب السلطنة ، فأمسكه وقتله ، لأن مماليك الخزندار اتفقوا عليه مع بعض الخاصكية ، وقالوا إنه يطلب الملك لنفسه . ولما كان يوم السبت المادي والعشرين من ربيع الأول ، أمر بإحضاره إلى باب السر ، فامتنع من الدخول لأنه أحس بما قصدوا به . فأخذ غصبة وجرجر ستحبة ، ومضى به إلى داخل الرحبة الجوانية ، ونتف شعر لحيته ، وكانت وافرة ، فلم يتركوا فيها شعرة واحدة ، وقتل على مكانته ، وحمل على لوح ، وأنزل من القلعة ، ودفن . وولى النيابة بعده الأمير شمس الدين سنقر الألقى المظفرى ، فكرهه الخاصكية لأنه كان ذا عقل وسكينة وودي في حركاته ، فلم يكن ينقاد إلى آرائهم ، ولم يوافقهم على أهوائهم . فصاروا يختلقون له ذنوبا ، ويرتبون عليه عيوبا ، واتهموه بأنه يقصد إقامة الدولة المظفرية ، ويرشح خوشداشيته إلى المناصب العالية ، وأنه ولى علم الدين سنجر الحموي أبو خرص نيابة السلطنة بصفد وزاده أريحا وأعمالها على أقطاعه ؛ ولكونه كان رجلا مسالم ، لطف الله به ، فعزل سالم . وؤلي النيابة بعده الأمير سيف الدين كوندك السعيدي ، وكان السلطان يؤثره ويدنيه ، وله به إلمام من جهة كونه كان معه في المكتب ، فرشحه للنيابة ، وقدمه على تلك العصابة .
لما قبض السلطان على الأمراء والأكابر ، وفوض أمره إلى المماليك الأصاغر ، أوجس الأمير سيف الدين قلاون الألفي خيفة على نفسه ، واستشعر الوحشة بدلا من أنسه . ثم أن والدة السلطان شفعت إليه في أخيها بدر الدين محمد بن بركتخان ، وفي الأمير شمس الدين سنقر الأشقر ، والأمير بدر الدين بيسرى ، وشفع فيهم الأمراء أيضا ، فأفرج عنهم . ولما رأوا أحواله على غير نظام ، اتفقوا على خلعه . وفي أثناء ذلك أشار خواصه عليه السفر إلى الشام .
صفحه ۶۵