54 - وكنت أعرف شيخا في أيام خمارويه، حلو النادرة، مليح الألفاظ، يعرف بالدفاني، وكان معاشه من التوصل بكتب الولاة إلى معامليهم. فحدثني أنه خرج بكتب إلى الشرقية، فالتقى مع رجل في زي بعض المانية من الأطباء: ((وهو على حمار بخرجين، وكنت على حمار. فاستخبرني عن صناعتي، فتحسنت عنده بأن قلت: ((أنا تاجر في الغلات))، فطمع في، وكان مبنجا، فقال لي: ((هذا موضع طيب، فلو أكلنا فيه!))، فقلت: ((ذاك إليك!))، فأخرج من أحد خرجيه رغيفين مشطورين، فوضع أحدهما بين يدي والآخر بين يديه, ثم أخذ كوزا معه ومضى يسعى به، فشرهت نفسي إلى الرغيف الذي كان بين يديه، فأبدلته حتى صار بين يدي وصار رغيفي بين يديه، وجاء بالماء، وابتدأنا بالأكل، فما ابتلع لقمة حتى شخص بصره وتمدد، واجتاز بنا جماعة فقالوا: ((ما لصاحبك؟))، قلت: ((لا أدري والله!))، فقالوا لي: ((أنت مبنج بنجت هذا المسكين!))، وساقوني.
فكان من لطف الله أن خليفة لموسى بن طونيق كان ببلدهم ويجاورني يتقلد المعونة، فساقني القوم إليه، والرجل محمول معنا، وهم يقودون #84# الحمارين، وقالوا له: ((هذا مبنج وجدناه!)). فلما رآني ضحك إلي وقال: ((متى تعلمت التبنيج؟))، قلت: ((اليوم))، وقصصت عليه خبري، وأخرجت كتاب موسى بن طونيق في بري . ففتش خرجه، فوجد فيه شطائر تبنيج وشطائر خالية، ووجد معها أوتارا للخنق، وأحجارا للشدخ. فشدخ رأسه بها، وخنقه بتلك الأوتار حتى فاظ)).
صفحه ۸۳