[1] المكافأة على الحسن
1 - حدثني أبو محمد يحيى بن الفضل، عن عبد العزيز بن خالد الأموي، عن أبيه خالد، قال: أخبرني محارب بن سلمة كاتب خالد القشري:
((أن ديوانبان خالد أخرج من ديوانه وثيقة على بعض المتضمنين فدفعها إليه ببر تعجله منه لله فدعا به خالد وأمر بقطع يده بين يديه، فقال له: ((استبقني، أصلح الله الأمير!))، فقال: ((وما يكون من مثلك؟))، فقال له: ((إن لم يقدر في الزمان رفعتي إلى منزلتك، فلا تأمنه على حطك إلى منزلتي، فيكون مني ما تحمده!))، فقال خالد: ((أطلقوه ففيه عظيم!)).
فلم يمض حول حتى ورد العراق يوسف بن عمر متوليا لعمله فحبسه في حجرة من ديوانه، ووكل بباب الحجرة جماعة. فتدسس الديوانبان حتى دخل في جملتهم، وتلطف للجماعة حتى رأسها بالخبرة وحسن المداخلة. وتحرم خالد طعام يوسف بن عمر -خوفا من أن يكون مسموما- فطوى.
وتأمل من ذلك الديوانبان، فجعل في منديل نظيف ما يكف جوعته من طعام قد تأنق فيه، ودخل إليه كالمتجسس عن حاله، فقال له: ((أنا الديوانبان الذي عفوت عنه، وهذا طعام تأمن فيه ما تخافه من غرة)). فأقام أياما يأتيه من طرائف الأطعمة والفواكه ما ينسى به وحشته، ويكف فاقته، ثم دخل إليه فقال: ((ليس هذا الذي أفعله مقدار ما يقتضيه إحسانك إلي؛ وقد استأجرت الدار التي في هذه الحجرة، وأحضرت قوما أثق بهم من حذاق النقابين، حتى نقبت سربا إلى موضعك، ولم يبق إلا أن تركض بعض بلاط هذا المجلس ركضة فتفضي إلى السرب.
وقد أعددت في الدار نجيبين أحدهما لك والآخر لي)).
فلما صلى الديوانبان العصر أغلق الباب، ومضى إلى الموضع المكترى، وركض خالد الموضع وخرج من السرب، وركبا نجيبيهما وحثا المسير. فما فطن بخالد إلا في غد ذلك اليوم، فطلبته الخيل والنجب ففاتها. ولم يزل يوضع في البلاد حتى لحق مسلمة بن عبد الملك، فشفع له إلى هشام ورده إلى عمله.
صفحه ۵