22 - وحدثني علي المتطبب المعروف بالديدان -وكان حسن المعرفة بكتب أفلاطون ورموزه، ومبرزا في الطب-، قال:
((خرجت مع رجل -يعرف بابن فروخ- من قواد السلطان إلى #41# طرسوس، فغنم سبيا كثيرا، وكان السبي في دار خراب في الموضع الذي نزل فيه، فدخلت لتأمله؛ فوجدت في السبي شابا حسن الصورة جميل السمت، وأكثر السبي حوله، ومكانه منهم مكان المولى من المماليك: يتسرعون إلى جميع ما أومأ إليه، ويكفونه أخذه بنفسه. فكلمت فيه بعض السبي وسألته عنه، فقال لي: ((هذا من ولد أفلاطون!))، فارتحت إليه لانتفاعي بجده، ودخلت إلى ابن فروخ فقلت: ((هب لي من هذا السبي غلاما))، فقال لي: ((خذه)).
فدعوت بغلام يشتمل على أمري، ووصفت له الشاب الذي في السبي، وقلت له: ((إذا سلمه إليك غلام ابن فروخ فأطعمه مما أعددت من طعامي، وألبسه من فاخر ثيابي، وطيبه ومكنه من مجلسي إلى أن أنصرف إليكم)). وتشاغلت بأمور ابن فروخ إلى آخر النهار، وانصرفت، فوجدته على الهيئة التي آثرتها، ورام مني ما يفعله غلماني من الوقوف، فمنعته من ذلك، فقال لي بالرومية: ((يا سيدي! ما الذي وعدتك به نفسك مني؟ فإن كان عندي بذلته لك وكنت حقيقا به، وإن لم يكن لدي صدقتك عنه، ولم أتغنم منك ما لا يشبهني تغنمه))، فقلت له: ((قد اقتبسنا من جدك أنوارا حسن بها أثره علينا، ووجب علينا بها وقايتك بأنفسنا))، فقال: ((والله إن الطباع التي لأسلافنا معنا، ولكنا شغلناها في رعي الخنازير، فبعدت بها ممن قربتني له، وأكرمتني بسببه)).
فخيرته بين الدخول معي إلى مصر، على أن أشاطره ملكي وعيشي، أو أحتال له في رده إلى بلده؟ فاختار رده إلى بلده. فلطفت له -بإنفاذ بعض من أثق به مع الرسل المتوجهين معه- حتى وصل إلى بلده)).
صفحه ۴۰