بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
اخبرنا الشيخ الامام الأوحد تاج الدين فخر الأئمة لسان العرب وحجة اهل الادب ابو اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندى ادام الله ايامه وحرس انعامه بمدينة دمشق في العشر الاول من جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وخمس مائة للهجرة النبوية على صاحبها افضل السلام.
قال اخبرنا الشيخ الامام العالم الزاهد الثقة ابو محمد عبدالله بن على المقرى النحوى قال اخبرنا ابو منصور محمد بن محمد بن احمد بن الحسين بن عبدالعزيز قال اخبرنا ابو الطيب محمد بن احمد بن خلف بن خاقان قال اخبرنا محمد بن الحسن (١) بن دريد الازدي سنة احدى وعشرين وثلاث مائة وحدثنا (٢) القاضي ابو محمد عبدالله بن على بن ايوب (٣) قال اخبرنا ابو بكر محمد بن الحسن بن دريد - واللفظ للقاضي.
قال نحرس نعم الله عندنا بالحمد عليها ونمترى المزيد منها بالشكر عليها ونرغب إلى الله في التوفيق لما يدنى من رضاه ويجير من سخطه انه سميع الدعاء.
هذا كتاب يشتمل على فنون شتى من الاخبار الموثقة والالفاظ المسترشقة والاشعار الرائقة والمعاني الفخمة والحكم المتناهية والاحاديث المنتخبة سميناه كتاب المجتنى لاجتنائنا في ظرائف الآثار كما تجتنى اطائب الثمار. وجرينا فيه إلى الاختصار إذ كان الاكثار مقرونا بالسآمة؛
_________
(١) تنبيه: هذا الجزء "المجتنى" لأبي بكر محمّد بن الحسن ابن دريد، من الأجزاء النفيسة الذي اشتمل على نصوص عالية عزيزة، كانت موردًا عزيزًا لكثير من العلماء؛ منهم الحافظ ابن عساكر الذي خرّج منه في "تاريخ دمشق" نصوصا كثيرة عزيزة على صِغَر حجمه؛ ممّا يدلّك على أهميته وعلوّ قدره ورفيع منزلته؛ غير أنه قد وقع فيه - كما يقع في غيره مِن المدوّنات الأدبيّة - بعض النصوص التي يلحظ فيها القارئ الكريم نَيلا من بعض الصحابة وغيرهم من أئمّة الهدى، سواء كان هذا النَّيل صريحًا أو إشارة؛ لذا ينبغي التأكيد على أنّ الأخبار المتلقّاة في أبواب الاعتقاد ونحوها من الأبواب الكبار، لا تؤخَذ مِن أيّ أحد كان، وإنّما تؤخَذ من الأئمّة الموثوقين المشهود لهم بالعدالة والاستقامة والحفظ والضبط؛ أمّا ابن دريد، فقد "تكلموا فيه"، كما قال الدارقطني (سؤالات السهمي٦٠) وقال الأزهري: "سألت إبراهيم بن محمّد بن عرفة الملقَّب بنِفْطَوَيْه عنه: فاستخفَّ به، ولم يوثّقه في روايته" (تهذيب اللغة ١: ٢٧، وعنه في لسان الميزان ٧: ٨٠). وقال مسلمة بن قاسم: "كان كثير الرواية للأخبار، وأيّام الناس والأنساب، غير أنّه لم يكن ثقة عند جميعهم". (لسان الميزان ٧: ٨١). ش (= وهو رمز "المكتبة الشاملة" فيما يُستقبَل من تعليقات منسوبة إليها؛ لتتميّز عن تعليقات تحقيق الجزء).
(٢) القائل هو أبو منصور - وهو: العكبري -.
(٣) هنا سقط؛ فإنّ أبا محمد القاضي عبد الله بن عليّ بن أيوب-وهو العكبري-، وُلد سنة ٣٢٠، يعني قبل وفاة ابن دريد ٣٢١ بسنة واحدة، وعبد الله بن عليّ بن أيوب، يروي عن ابن دريد بواسطة أبي بكر أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز، كما في مواضع من تاريخ دمشق لابن عساكر، وبغية الطلب لابن العديم. والله أعلم. ش
1 / 1
وقد قال من قبلنا إذا كان الايجاز كافيا كان الاكثار هذرا وإذا كان الاكثار ابلغ كان الايجاز عيا وخير الامور اوسطها والله الموفق للصواب.
فاول ما نستفتح به ما جاءنا عن نبينا ﵌ من الفاظه التي لا يشوبها كدر العىّ ولا يطمس رونقها التكلف ولا يمحو طلاوتها التفيهق وقد ضمنت هذا الكتاب اخبارا واشعارا سمعتها فعزوتها الى من سمعتها منه واشياء قرأتها فيما قرأت من الكتب على اشياخنا ﵏ فمنها اجازة ومنها سماع ومنها ما رويته بنزول وسابين ذلك في مواضعه ان شاء الله تعالى
(باب)
ما سمع من النبي ﵌ ولم يسمع من غيره قبله
قوله ﵌: "لا ينتطح فيها عنزان" قاله في عصماء بنت مروان اليهودية، وكانت تهجو رسول الله ﵌ وتوذيه، فقتلها القارى رجل من الانصار (١) وكان ضعيف البصر فطرقها ليلا فقتلها فلما صلى الصبح مع النبي ﵌ فقال له اقتلت عصماء قال نعم يا رسول الله فقال لا ينتطح فيها عنزان فخص النبي ﵌ العنزين دون الغنم، لان العنز انما تشام العنز ثم تفارقها وليس كنطاح الكباش وغيرها، فانظر اين هذا الكلام من قول عدى بن حاتم لما قتل عثمان رضى الله عنه: "لا تحبق فيها (٢) عنز" ففقئت فيها عينه يوم صفين وقتل ابنه طريف فقال له معاوية بعد الاستقامة هل حبقت العنز في قتل عثمان قال اى والله والتيس الاعظم.
_________
(١) هو عمير بن عدى الخطمى - كما في سيرة ابن هشام.
(٢) كذا في المطبوع، وفي الجمهرة ١: ٢٨١: "فيه". ش
1 / 2
قوله ﵇ "مات حتف انفه" اخبرنا محمد بن الحسن (١) قال اخبرنا عبد الاول بن مؤيد (٢) احد بنى انف الناقة من بنى سعد في اسناد ذكره قال علي رضوان الله عليه ما سمعت كلمة عربية الا وقد سمعتها من رسول الله ﵌ سمعته يقول "مات حتف انفه" وما سمعتها من عربى قبله ﵌، قال ابو بكر: ومعنى حتف انفه: ان روحه تخرج من انفه بتتابع نفسه لان الميت على فراشه من غير قتل يتنفس حتى يقضى (٣) رمقه فخص الانف بذلك لانه من جهته ينقضى رمقه.
قوله ﵌ حمى الوطيس قاله ﵌ يوم حنين لما جال المسلمون ثم تابوا فلما اختلط الضراب قاله ﵇ وهو منتصب مشرف ركابيه على بغلته الشهباء، والوطيس: حفيرة تحفر في الارض شبيهة بالتنور يختبز فيها، والجمع وطس، فاذا كانت حفيرة اعظم من الوطيس يشتوى فيها اللحم فهى ارة؛ والجمع إرين، وللارة موضع غير هذا.
وقوله ﵌: "الولد للفراش وللعاهر الحجر" اراد ﵌ ان حظ العاهر حجر، اى لا شىء له في الولد.
ولهذا الكلام معنيان اما ان يكون اراد ان حظه الغلظة والخشونة من اقامة الحد رجما او ضربا واما ان يكون اراد بالحجر ما لا ينتفع به ولا محصول له يريد به الخيبة.
وقوله ﵌: "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين" قاله ﵌ لابي عزو الشاعر وكان اسر يوم بدر فسال النبى ﵌ ان يمن عليه وذكر عيالا وفقرا فمن عليه فاخذ عليه عهدا ان لا يحضض عليه ولا يهجو ففعل ثم رجع الى مكة فاستهواه صفوان ابن امية وضمن له القيام بعياله فخرج مع قريش وحضض على النبى صلى الله
_________
(١) هو أبو بكر ابن دريد. ش
(٢) كذا في المطبوع، والصواب (مُرَيْد)، بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحتها، كذا ضبطه ابن ماكولا في الإكمال ٧: ١٨١. ش
(٣) كذا في المطبوع، وفي المزهر ١: ٢٤١ عن ابن دريد: "ينقضي". ش
1 / 3
عليه وآله وسلم فاسر فسال النبى ان يمن عليه فقال ﵌ "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين" لا تمسح عارضك (١) بمكة فتقول سخرت من محمد مرتين، ثم امر النبى ﵌ بقتله*
وقوله ﵌: "كل الصيد في جوف الفرأ - او بطن الفرأ" مهموز وهو الحمار والوحشى والجمع فراء ممدود* قال (مالك) بن زغبة:
بضرب كآذان الفراء فضوله * وطعن كايزاغ المخاض تبورها
الايزاغ: دفع البول والبورة (٢) أن تعرض الناقة على الفحل ليعرف ألاقح هي ام حائل، وقال آخر عامر بن كثير المحاربى:
اذا اجتمعوا علي واشقذونى * فصرت كأنني فرأ متار
اراد بذلك متأر فخفف الهمزة من قولهم اتأرته بصرى اذا احددت اليه النظر وهذا كلام خاطب به ﵌ ابا سفيان ابن حرب بن عبد الله بن عبد المطلب واسمه المغيرة حين جاءه مسلم، اوكان قد هجا النبى ﵌ هجاء قبيحا - وله حديث في المغازى والفرأ: الحمار الوحشى وهو اعظم ما يصاد فكل صيد دونه فالمعنى انت اعظم من يأتينى من اهل بيتى اذ كلهم دونك كما ان الصيدكله دون الحمار.
وقوله ﵌ "الحرب خدعة"، قاله ﵌ يوم الاحزاب لما بعث بنعيم بن مسعود ليخذل بين قريش وغطفان ويهود، يريد ان المماكرة في الحرب انفع من المكاثرة والاقدام من غير علم.
ومنه قول بعض الحكماء: "نفاذ الراى في الحرب انفع من الطعن والضرب"، والمثل السائر: "اذا لم تكن تغلب فاخلب"، أي اخدع، والخلابة: الخديعة، قال الشاعر - وهو النمر بن تولب:
_________
(١) كذا في المطبوع، وفي المصادر: "عارضيك". انظر مثلا: مغازي الواقدي ١: ١١١. ش
(٢) كذا في المطبوع، وفي مجمل اللغة ١: ١٣٩ وشمس العلوم ١: ٦٦٣: "البَوْر". ش.
1 / 4
بان الشباب وحب الخالة (١) الخلبة
وقال آخر:
وشر الرجال الخالب الخلبوت (٢)
اى الخداع ومنه البرق الخلب الذى لا ماء فيه.
وقوله ﵌: "اياكم وخضراء الدمن" قاله ﷺ في بعض ما كان يؤدب به اصحابه، وقد فسر هذا الكلام في الحديث، وله تفسيران: قال بعضهم يريد المرأة الحسناء في المنبت السوء، وتفسير ذلك ان الريح تجمع الدمن وهو البعر في البقعة من الارض ثم يركبه الساقى فاذا أصابه المطر نبت نبتا غضا ناعما يهتز وتحته الدمن الخبيث، يقول: فلا تنكحوا هذه المرأة لجمالها ومنبتها خبيث كالدمن، فإن اعراق السوء تنزع اولادها؛ والتفسير الآخر بمعنى قول زفر بن الحارث شعر:
وقد ينبت المرعى على دمن الثرى * وتبقى حزازات النفوس كما هيا
يقول: نحن وإن اظهرنا لكم بشرا فان تحته الحق والسخيمة كهذا الدمن الذي يظهر فوقه النبت مهتزا وتحته الفساد، وهذا نحو قول الآخر - وهو عمير بن الحباب:
وفينا وإن قيل اصطلحنا تضاغن * كما طر أوبار الجراب على النشر
الجراب: الجربى من الابل؛ والنشر: أن يظهر الوبر على الدبر؛ فيغطيه فيكون فيه الفساد، يقول: نحن وإن تداجينا وأظهرنا صلحا كالشعر او الوبر النابت على الدبر فظاهره سليم وباطنه دو، ويقول في بيت آخر:
يظل اذا اقبلت كاسر عينه * ولا جن بالبغضاء والنظر الشزر
وقوله ﵌: "وإن مما ينبت الربيع لما يقتل حبطا او يلم" هذا كلام من ابلغ الكلم في تحذير الدنيا والركون اليها وذلك ان الماشية يروقها نبت الربيع منه بأعينها فربما تفتقت سمنا فهلكت يقول: من اعطى كثرا ورفاهية عيش في دنياه، فيجب ان يقتصد ولا ينهمك
_________
(١) الخالة: جمع خائل، وهو الرجل المختال. انظر: تهذيب اللغة ٧: ٢٣٠، جمهرة اللغة ٢: ١٠٥٦و٣: ١٣١٩. ش
(٢) رجل خلبوت: خدّاع مكّار. جمهرة اللغة ٣: ١٢٣٩. ش
1 / 5
فيها فتلهيه عن الاحتراث لآخرته فيهلك كما ان هذه الماشية يلهيها زهر النبات فتأكل حتى تهلك.
وقوله ﵌ "الأنصار كرشى وعيبتى" يريد أنهم معتمدى الذى اقوى عليه وأقوى به، كما ان الكرش معتمد معدة الماشية الذي يصرف الغذاء في سائر اعضائها فتقوى بذلك وفيها تستقر الثميلة؛ وهي باقية العلف في الكرش يقول: فالأنصار الذين يمدوننى بأموالهم ونصرهم فهم كالكرش لى؛ وقوله عيبتى: يريد الذين اودعهم اسرارى وأرجع اليهم في مهمات امورى؛ كما ان الرجل انما يودع عيبته نفيس متاعه وكسوته وذخيرته.
وقوله ﵌ "يا خيل الله اركبى" قاله ﵌ في بعض مغازيه - لا ادرى في ايها (١)، والخيل لا تركب وإنما تركب، وهذا على الإيجاز والاختصار وكان وجه الكلام أن يقول: يا فرسان خيل الله اركبى، فاختصر لأنه علم ما اراد، والخيول كلها لله فأضاف الخيول الى الله ﷿ تبجيلا وتعظيما كقولهم: بيت الله - والبيوت كلها لله، وشهر الله الأصم وناقة الله - ونحو ذلك.
وقوله ﵌ "لا يجنى على المرء الا يده" اراد لا يؤخذ بجناية غيره ان قتل او جرح فبيده اصاب ذلك أي فبيده الجانية (٢) عليه ولا يؤخذ بجناية يده غيره.
قوله ﵌ "الشديد من غلب نفسه" يقول من ملك نفسه عند شهوته وعند غضبه فمنعها فهو الشديد، وهذا شبيه بحديثه
_________
(١) قال السهيلي في الروض الأنف ٧: ٢٧٥: "قالها يوم حنين أيضا في حديث خرجه مسلم". وذكر كلامه في المقاصد الحسنة (ص٧٣٦)، ثم قال: "فيحرر". قلت: لم أقف عليه في مسلم، ولا تعرّض له أحد من شرّاح مسلم فيما أعلم. ش
(٢) رواية نسخة اكسفورد: اى فيده الجانية، وكذا في هامش الأخرى فقال في حاشية نسخة المتحف البريطانى: قال غير ابى بكر بن دريد لم يرد اليد بعينها انما المعنى ما اجترحت جميع جوارحه كقول الله ﷿ "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" - والله أعلم بكتابه.
1 / 6
﵇ أنه مر بقوم يربعون حجرا - او يجذبون حجرا - فسأل عن ذلك فقيل لينظروا ايهم اقوى - او كما قيل؛ فقال: ألا اخبركم بأشد من هؤلاء، من ملك نفسه عند الغضب - او كما قال ﵌ (١).
وقوله ﵌ "ليس الخبر كالمعاينة" هذا الكلام في حديث فيه بعض الطول يريد أنه لا يهجم على قلب المخبر من الهلع بالأمر والاستفظاع له مثل ما يهجم على قلب المعاين، ألا ترى ان الله ﷿ أخبر موسى أن قومه قد فتنوا بالعجل فلما عاين ذلك ألقى الألواح ضجرا وأخذ برأس اخيه، وقد طعن في هذا الحديث قوم فقالوا لم يصدق بما أخبره ربه، فلم يذهب الطاعن في هذا الحديث مذهبا مرضيا، موسى ﵇ لم يشكك فيما اخبره به ربه ولكن للعيان روعة هي اذكأ للقاء (٢) وأبعث لهلعة من المسموع، ألا ترى ان ابا مليل احد فرسان بنى يربوع لما قتلت بكر بن وائل ابنيه فأخبر بذلك لم يشكك فيه ولم يظهر منه الجزع مثل الذي رآهما صريعين فألقى نفسه عن فرسه عليهما وقد ايقن انهما قد قتلا فما شك عند الخبر وغلبه الجزع عند المعاينة.
وقوله ﵌ "المجالس بالأمانة" وهذا مما ادب به أمته ﵌ ومعناه أن الرجل يجلس إلى القوم فيخوضون في الأحاديث ولعل فيها ما ان نمى كان فيه ما يكرهون فيأتمنوه على اسرارهم، فأراد ﵌ ان الأحاديث التى تجرى بين اهل المجالس كالأمانة التى لا يحب ان يطلع عليها فمن اظهر احاديث الذين أمنوه على اسرارهم فهو قتات؛ وقد جاء في الحديث ذم القتات وهو النمام
_________
(١) حاشية نسخة المتحف: قال غير ابى بكر: ملك نفسه يعنى ضبطها، ومنه قولهم: ملكت العجين اذا انعمت عجنه قال الشاعر:
قالت سليمى لست بالحادى المدل * مالك لا تملك اعضاد الإبل
(٢) كذا ولعله "انكأ للقلب" - ح.
1 / 7
وفي التنزيل "هماز مشاء بنميم".
وقوله ﵌ "اليد العليا خير من اليد السفلى" وهذا حث على الصدقة لأن العليا يد المتصدق والسفلى يد السائل والمعطى مفضلى على المعطى فالمفضل خير من المفضل عليه، ولم يرد ﵇ ان المفضل خير في الدين انما المراد خير في الافضال.
وقوله ﵌ "ان البلاء موكل بالمنطق (١) " هذا كلام روى لأبي بكر الصديق ﵁ في حديث طويل، والبلاء: الاختبار ما كان من خير وشر.
وقوله ﵌ "ترك الشر صدقة" يريد أن من ترك الشر وأذى الناس فكأنه قد تصدق عليه، اى فضل ترك الشر كفضل الصدقة.
وقوله ﵌ "الناس كأسنان المشط" يريد أنهم مستوون وإنما التفاضل في العمل الصالح والفعل الجميل، وهذا كقوله: كلكم لآدم وآدم من التراب.
ومنه "الغنى غنى النفس" وهذا مما أدب به ﵌ أمته يريد أن من كان غنى النفس ولم يلحف في الطلب اى كأنه غنى واحد.
وقوله ﵌ "اى داء أدوى من البخل"، قاله ﵌ في كلامه للأنصار: "من سيدكم يا بنى سلمة" - بكسر اللام، وهي الواحدة من السلام - قالوا: الجد بن قيس على بخل فيه، فقال ﵌: "وأى داء أدوى من البخل" بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور، وبشر الذى أكل مع النبى ﵌ من الشاة المسمومة بخيبر فمات، ومعنى هذا الكلام انه جعل البخل
_________
(١) هذا ممحو في الأصل الا لفظ البلاء وحرف القاف في آخره.
1 / 8
داء ليس بداء مؤلم فشبهه بالداء اذ كان مفسدا للرجل مؤديا له سوء الثناء كما ان الداء يؤل إلى طول الضنا، والمقصد في هذا النهى عن البخل.
وقوله ﵌ "الأعمال بالنيات" يريد أن الرجل إذا عمل عملا من صلاة او صيام او صدقة او باب من ابواب البر فنوى أن ذلك لله لا لرئاء الناس كان ذلك العمل مقبولا، وهذا تحريض على إخلاص النية؛ فذلك العمل حينئذ المراد به وجه الله ﷿.
وقوله ﵌ "الحياء خير كله" لم يرد ﵇ الحياء الداعى الى البقاء في الفهاهة القاعد بالمرء عن بلوغ المراد في الخطاب والقصور عن تناول الحجة وإنما الحياء الرادع عن ارتكاب الحرام والمحارم والتلطخ بالمدانس، وهذا كقوله في حديث آخر "وإن مما ادرك اهل الجاهلية من كلام النبوة اذا لم تستحيى فاصنع ما شئت" أي اعمل كل ما لا يستحيى منه من مثله (١).
وقوله ﵌ "اليمين الفاجرة تدع الدار بلاقع (٢) " هذا نهى عن الاقدام عن احتجاز (٣) أموال الناس بالأيمان فمن حلف على يمين فاجرة ليقطع بها مال امرئ مسلم او يحوز بها ما ليس له او يدفع بها حقا عليه عاجلته العقوبة فاجتاحته فتركت داره بلاقع اى أقفرته حتى لا تبقى له شيئا، والبلقع: القفر الذي لا شىء فيه، قال أبو بكر: قد كانت العرب في الجاهلية تستحلف بالنار والملح، وهو الذى كانوا يسمونه التهويل فيحلف الرجل على الكذب فيمعر (٤) ماله ويثكل ولده ولذلك سمى الحطيم بمكة لأنهم كانوا يحلفون عنده فيحطم المبطل، وقد قالت العرب: "نعوذ بالله من قرع الفناء وصفر الإناء" يريدون ذهاب المال.
وقوله ﵌ "سيد القوم خادمهم" هذا كلام
_________
(١) كذا والظاهر: "عمله".
(٢) والحديث المشهور: "اليمين الفاجرة تذر الديار بلاقع".
(٣) لعله: احتجان.
(٤) (المعر): ذهاب الشعر عن الرأس وغيره، معر يمعر معرا، والأصل في المعر ذهاب الشعر عن أشاعر الفرس، ثم كثر حتى استعمل في غير ذلك. جمهرة اللغة ٢: ٧٧٣. ش
1 / 9
حث به على المكارم والتعاون وترك التكبر على الأصحاب في الأسفار فجعل الخادم سيدا اذا كان يخدم أصحابه تكرما لا لمنالة ولا جعالة فأوجب له بذلك السودد على اصحابه.
قوله ﵌ "فضل العلم خير من فضل العبادة" يريد ﵌ أن العالم وإن كان منه تقصير في عبادته افضل من جاهل مجتهد، لأن العالم يعرف ما يأتى وما يتجنب، والعابد الجاهل المتهور ربما أتى الشىء وهو يظن أنه مصيب وهو مخطىء.
قوله ﵌ "الخيل في نواصيها الخير" هذا نحو قوله ﵇ "خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة".
قوله ﵌ "خير المال فرس في بطنها فرس" وهذا الكلام يحث به إلى إرتباط الخيل في سبيل الله، يريد أن من ارتبطها كان له ثواب ذلك وهو خير آجل وما يصيبه على ظهرها من الغنائم وفى بطونها من التاج فهو خير عاجل، وخص النواصى من بين اعضاء الجسد لأن الهرب تقول: فلان ميمون الناصية، اى مبارك الناصية، وهو مثل قوله "بطونها كنز وظهورها حرز" اى يتحرز بها من الأعداء ويتحصن بها منهم.
قوله ﵌ "عدة المؤمن كأخذ باليد" يحث على الوفاء بالمواعيد والصدق فيها، يريد أن المؤمن اذا وعد فالثقة بموعده كالثقة بالشىء إذا كان في اليد.
قوله ﵌ "أعجل الأشياء عقوبة البغى" وهذا نحو قوله "دعوة المظلوم لا تحجب" والمبغى عليه مظلوم والبغى اسرع الذنوب عقوبة.
قوله ﵌ "إن من الشعر لحكما وإن من البيان لسحرا" هذا كلام قاله ﵌ لوفد تميم لما سأل عمرو
1 / 10
ابن الأهتم عن قيس بن عاصم فمدحه فقال قيس: والله يا رسول الله! لقد علم أنى خير مما وصف ولكنه حسدنى، فذمه عمرو بن الأهتم فقلا: يا رسول الله! لقد مدحت (١) في الأولى وما كذبت في الأخرى، فعند ذلك قال النبى ﵌: إن من البيان لسحرا، يريد أن البليغ يبلغ ببيانه ما يبلغه الساحر في لطافة حيلته، وقد ذكر أن متكلما تكلم عند بعض الخلفاء فأفصح وبين فقال: هذا السحر الحلال.
قوله ﵌ "الصحة والفراغ نعمتان" يريد أن من افضل النعم العافية والكفاية، لأن الإنسان لا يكون فارغا حتى يكون مكفيا، والعافية هي الصحة فمن عوفى وكوفى فقد عظمت عليه النعمة، وهذا كلام (٢) اراد به عبد الله بن عمر حين سئل: أى العيش افضل؟ فقال: الأمن والعافية ثم غليلتى أتقوتها وأستغنى بها عن الناس - او كما قال، فأنبأ ﵌: أن الصحة والفراغ نعمتان من المنعم ﷻ يوجبان الشكر له عليهما لا التمادى في العصيان فاشكروا الله عليهما ولا تكونوا كمن كفر نعمة المنعم وطغى عند الصحة والكفاية.
قوله ﵌ "نية المؤمن خير من عمله" يريد ﵇ أن المؤمن ينوى الأشياء وأبواب البر نحو الصدقة والصوم وغير ذلك فلعله يعجز عن بعض ذلك وهو معقود النية عليه فنيته خير من عمله.
قوله ﵌ "الولد ألْوَط" وهذا الكلام يروى عن أبى بكر ﵁ انه قال: والله! إن عمر لأحب الناس الىّ ثم قال: "أستغفر الله الولد الوط" ومعنى الوط: الصق بالقلب، وأصل اللوط طليك الحوض وغيره بالمدر لئلا يخرج منه الماء، تقول: لطت الحوض ألوطه لوطا، ومنه قولهم: "هذا شىء لا يلتاط بصفرى" اى لا يقع في خلدى، وفي الحديث: "تلوط حوضها وتبغى ضالتها" يعنى راعى الإبل.
_________
(١) كذا والمعروف: صدقت.
(٢) لعله: "كما".
1 / 11
قوله ﵌ "استعينوا على الحاجات بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود" هذا مما ادب به ﵌ أمته، لأن الرجل ربما طلب الحاجة الى الرجل فيكون له عدو أو حاسد فيسعى عليه فيفسد عليه مطلب حاجته.
قوله ﵌ "المكر والخديعة في النار" يريد أن المكر والخداع لا يكونان في تقى ولا خائف لله، لأنه اذا مكر غدر وإذا خدع وبق (١) فهاتان خلتان لا تكونان فى تقى فكل خلة جانبت التقى فهى فى النار.
قوله ﵌ "من غشنا فليس منا" ينهى ﵌ بهذا الكلام عن الخيانة ويحض على البر، وذلك أن الغش فعل من افعال اليهود يقول: من غش اهل الإسلام فقد تشبه بأعدائهم فكأنه ليس منهم.
قوله ﵌ "المستشار مؤتمن" يريد قوله ﵌ من افضى اليك بسره وأمنك على ذات نفسه فقد جعلك بموضع ثقته كالرجل الذى لا يأمن على ماله فلا يودعه الا الثقة في نفسه فالسر الذى ربما كان في اذاعته تلف النفس اولى بأن لا يجعل الا عند الموثوق به.
قوله قوله ﵌ "الندم توبة" هذا الكلام فيه شريطة، لأنه ليس الندم مع الاصرار توبة، انما يكون الندم (٢) توبة اذا كان مع الاقلاع والاخلاص وهذا وجهه ان شاء الله.
قوله ﵌ "الدال على الخير كفاعله" يقول من دلك على الخير فعلته بارشاده لك فكأنه قد فعله بك، وهذا تحضيض على التعاون على البر والحث عليه.
وقوله قوله ﵌ "حبك الشيء يعمى ويصم" يريد
_________
(١) وبق الإنسان إذا هلك. جمهرة اللغة ١: ٣٧٥. ش
(٢) من هاهنا نسخة المتحف البريطانى كاملة الى آخر الكتاب.
1 / 12
أن الرجل اذا غلب الحب على قلبه ولم يك له رادع من عقل او دين اصمه حبه عن العذل واعماه عن الرشد.
وهذا يكثر؟ وإنما اختصرنا منه ما نحتاج إليه في هذا الكتاب وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة.
ومما يذكر من كلامه الموجز المتناهى وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة وسنأتى على جملة في كتاب إيجاز المنطق وذخائر الحكمة.
ومما يذكر من كلامه الموجز المتناهى ﵌ "ما لك من مالك الا ما أكلت فأفنيت او؟لبست فأبليت او أعطيت فأمضيت" وقوله ﷺ للأنصار "انكم تكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع" وقوله "الولد مبخلة مجبنة" وقوله "أهل المعروف فى الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" وقوله "لن يهلك امرؤ من بعد مشورة" وقوله "رحم الله امرءا قال خيرا فغنم او سكت فسلم" وقوله "شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع" "المرء كثير بأخيه" "ثلاث لا ينجو منهن احد: الظن، والطيرة، والحسد، فإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فامض ولا تنثن" وقوله "الناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم" وقوله "لولا رجال خشع وأطفال رضع وبهائم رتع" وقوله "أعوذ بك من علم لا ينفع ونفس لا تشبع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع" ولا ادرى ما صحة الكلمة (١) وقوله "هل يتوقع أحدكم الا غنى مطغيا او فقرا منسيا او مرضا مفسدا أو هرما مفندا (٢) او الدجال وهو شر ما ينتظر او الساعة فالساعة ادهى وأمر" "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" يقول: القليل الذى لا يشغل عن الآخرة خير من الكثير الذي يلهى عنها "لا تجلسوا على ظهور الطرق فان أبيتم فغضوا الأبصار وترادوا السلام وأهدوا الضالة وأعينوا الضعيف"
_________
(١) حاشية في نسخة المتحف: يريد قوله عين لا تدمع، وصحة هذه اللفظة ظاهر وذلك ان عدم البكاء دليل على القسوة فاستعاذ من ذلك كما استعاذ من قلب لا يخشع كيف وقد وردت الآثار بالحض على البكاء.
(٢) في نسخة آكسفورد: "مقيدا".
1 / 13
"صدقة السر تطفىء غضب الرب، وصنائع المعروف تقى مصارع السوء، وصلة الرحم تزيد في العمر" قوله ﵇ "نهيتكم عن عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات".
وقوله ﵇ "ابدأ بمن تعول" وقوله " لا تختبر (١) يمينك على يسارك".
وقوله ﵌ "الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة" يريد ﵇ أن الناس كثير والمرضِىّ منهم قليل كما أن المائة من الإبل لا تصاب فيها الراحلة الواحدة.
وقوله ﵇ "ما املق تاجر صدوق" يريد أن التاجر اذا صدق بورك له في تجارته فلم يملق اى لم يفتقر.
وقوله ﵇ (٢) "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" يقول: القليل: من المال الذى لا يشغل عن الآخرة خير من الكثير الذى يلهى عنها.
وقوله ﵇ "لا تزال أمتى بخير ما لم تر الأمانة مغنما والصدقة مغرما" يريد الرجل اذا أوتمن على أمانة رآها مغنما فاعتد بها من ماله وإذا تصدق بصدقة رآها مغرما ونقصانا في ماله فامتنع ان يتصدق.
وقوله ﵌ "رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس ولن يهلك امرؤ بعد مشورة" يحث ﵌ بهذا الكلام على حسن العشرة والمشاورة في الأمور.
وقوله ﵌ "استعينوا على المشى بالسعى: وذلك ان الرجل اذا أكثر المشى تقبض عصبه فاذا سعى انطلق ومنه حديث عمرو بن معديكرب اذ شكا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: المعص، فقال: "كذب عليك العسل" والمعص: وجع العصب من طول المشى، والعسل عدو من عدو الذئب وهو عدو فيه اهتزاز.
_________
(١) كذا.
(٢) هذا مكرر في نسخة المتحف لا وجود له في نسخة آكسفورد.
1 / 14
قوله ﵌: لا تنكث صفقتك ولا تبدل سنتك ولا تخرج من امتك" نكث الصفقة ان تبايع إمام ثم تقاتله، وتبديل السنة الاعرابية بعد الهجرة، والخروج من الأمة الخروج من الإسلام الى غيره.
باب
ما حفظ من كلام ابى بكر الصديق رضى الله عنه
أخبرنا محمد بن الحسن قال اخبرنا ابو حاتم عن الأصمعى، قال: كان ابو بكر رضى الله عنه اذا مدح قال: "اللهم! انت أعلم بى من نفسى وأنا أعلم بنفسى منهم، اللهم! اجعلنى خيرا مما يحسبون واغفر لى واجعلنى خيرا مما يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون".
ومما يروى عن الهيثم بن عدى عن مجالد عن الشعبى قال: كان اول ما تكلم به ابو بكر رضى الله عنه، صعد المنبر بعد وفاة رسول الله ﵌ فانحدر عتبة من مقام النبي ﵌ وقال: ما كان الله ليرانى ان أقف موقف رسول الله ﵌" ثم قال: "اما بعد أيها الناس! فانى قد وليت أمركم ولست بخيركم، ولكنه نزل القرآن وسن النبى ﵌ وعلمنا فتعلمنا، ألا فاعلموا! أن أكيس الكيس التقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وأن أضعفكم عندى القوى حتى آخذ منه الحق، وأن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإنما أنا متبع ولست بمبتدع فان أحسنت فأعينونى وإن زغت فسددونى، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم".
أخبرنا ابو بكر محمد بن الحسن قال اخبرنا ابو حاتم عن الأصمعى، عن العباس بن بكار الضبى عن عقبة الأصم عن عطاء بن ابى رباح عن ابن عباس قال: سمعت ابا بكر يقول:
1 / 15
اذا أردت شريف الناس كلهم * فانظر إلى ملك في زى مسكين
ذاك الذي حسنت في الناس سيرته (١) * وذاك يصلح للدنيا وللدين
باب
المحفوظ من كلام عمر بن الخطاب رضى الله عنه
أخبرنا محمد قال اخبرنا الرياشى فى اسناده قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه في بعض خطبه: "اياكم والبطنة! فانها مكسلة عن العبادة مفسدة للجسم مؤدية الى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم! فانه أبعد من السرف وأصح للبدن وأقوى للبدن وأقوى على العبادة، وأن العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه".
اخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا الحسن بن الخضر قال حدثنا الحجاج بن نصير قال حدثنا صالح المرى عن مالك بن دينار عن الأحنف (٢) قال قال لى عمر بن الخطاب رضى الله عنه: يا أحنف! "من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن اكثر من شىء عرف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قبله".
اخبرنا محمد بن الحسن قال حدثنا الحسن بن الخضر قال اخبرنا عن سليمان بن داود العتكى قال حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن ابى البخترى قال: كتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه الى ابى موسى: "لا تؤخر عمل اليوم لغد فتتدارك عليك الأعمال، وإن للناس نبوة عن سلطانهم او نفرة أعوذ بالله من ان تدركنى، وإياكم ضغائن محمولة ودنيا مؤثرة وأهواء متبعة" في حديث فيه طول.
قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "القاضى لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع".
_________
(١) في حاشية نسخة المتحف: رأفته.
(٢) هو ابن قيس، كما في تاريخ دمشق ٤٣: ١٧٥ من طريق ابن دريد. ش
1 / 16
اخبرنا محمد قال اخبرنا العكلى عن رجل عن جرير عن اسماعيل عن الشعبى قال قال عمر رضى اللع عنه "حسب الرجل دينه، ومروءته خلقه، وأصله عقله".
ومن كلامه ﵇ ويقال بل من كلام علىّ رضى الله عنه "حق المسلم على المسلم سبع خصال: السلام عليه اذا لقيه، ويجيبه اذا دعاه، ويعوده اذا مرض، ويتبع جنازته اذا مات، ويحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، والمواساة في ماله".
باب
من كلام عثمان رضى الله عنه
قال دخل عثمان بن عفان رضى الله عنه على العباس بن عبد المطلب يعوده فقال: اوصنى وزودنى! فقال له "الزم خواص تصب عوام، ودع مصانعة الناس، وعليك بسلامة القلب وحفظ اللسان تصب بهما سرورا، ومن أمنه الناس على اعراضهم استقاموا له بمواداتهم".
باب
ما حفظ من كلام على رضى الله عنه
قال حدثنا العكلى عن حاتم بن قبيصة المهلبى عن الكلبى قال قال على بن أبى طالب رضى الله عنه "المعروف افضل الكنوز وأحصن الحصون لا يزهدنك فيه كفر من كفرك فقد يشكرك عليه من ١ لم تستمتع منه (١) بشىء وقد يدرك بشكر الشاكر ما يضيع الجحود الكافر".
اخبرنا عقبة بن ابى الصهباء قال: لما ضرب ابن ملجم عليا رضى الله عنه دخل عليه الحسن وهو باك فقاله له: ما يبكيك يا بنى! فقال: مالى لا ابكى
_________
(١) كذا، ولعله: لم يستمتع منك.
1 / 17
وأنت في اول يوم من الآخرة وآخر يوم من الدنيا، فقال: يا بنى! احفظ عنى اربعا وأربعا لا يضرك ما عملت معهن، قال: وما هن يا ابت؟ قال: ان أغنى العقل، وأكبر الفقر الحمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسن الخلق، قال: يا ابت! هذه الأربع فأعطنى الأربع الأخر، قال: إياك ومصادقة الأحمق فانه لا يريد (١) ان ينفعك فيضرك، وإياك ومصادقة الكذاب فانه يقرب اليك البعيد ويبعد عليك (٢) القريب، وإياك ومصادقة البخيل فانه يقعد عنك احوج ما تكون اليه، وإياك ومصادقة الفاجر فانه يبيعك بالتافه.
ومما حفظ من كلام على رضى الله عنه
ان رجلا سأله عن تفسير "لا حول ولا قوة الا بالله" فقال: تفسيرها "انا لا نملك شيئا ولا نملك الا ما ملكنا مما هو أملك به منا فمتى ما ملكنا ما هو أملك به كلفنا ومتى اخذ منا وضع عنا ما كلفنا ان الله امرنا تخييرا، ونهانا تحذيرا، وأعطانا على قليل كثيرا، لن يطاع ربنا مكرها ولا يعصى مغلوبا".
ومما حفظ من كلامه رضى الله عنه
"لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول امل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها عمل الراغبين، ان اعطى منها لم يشبع، وإن منع لم يقنع، يعجز عن شكر ما أوتى ويبتغى الزيادة فيما بقى، ينهى ولا ينتهى، ويأمر بما لا يأتى، يحب الصالحين ولا يعمل بعملهم، ويبغض الطالحين وهو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت له، إن سقم ظل نادما وإن صح أمن لاهيا، يعجب بنفسه اذا عوفى ويقنط اذا ابتلى، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن
_________
(١) كذا، والصواب: فانه يريد.
(٢) كذا، ولعله: عنك.
1 / 18
لا يثق من الرزق بما ضمن له ولا يعمل من العمل بما فرض عليه، إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن، فهو من الذنب والنعمة والمحنة موقر يبتغى الزيادة ولا يشكره، ويتكلف من الناس ما لم يؤمر به ويضيع من نفسه ما هو أكثر، يبالغ اذا سأل، ويقصر اذا عمل، يخشى الموت، ولا يبادر الفوت،
يستكثر من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من غيره، فهو على الناس طاعن، ولنفسه مداهن، اللغو مع الأغنياء احب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره، وهو يطاع ويعصى ويستوفى ولا يوفى".
ومما حفظ من كلامه رضى الله عنه في ذم الدنيا
اولها عناء، وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها امن، ومن مرض فيها ندم، ومن استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن، ومن ساعاها فاتته، ومن قعد عنها أتته، ومن نظر اليها أعمته، ومن نظر بها بصرته.
ومن كلامه رضوان الله عنه
"لله امرؤ عمل صالحا، وقد خالصا، واكتسب مذخورا، وبنى عرضا، واحرز عوضا، كابر هواه، وكذب مناه، وجعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته".
ومن كلامه رضوان الله عنه
"الدنيا دار ممر الى دار مقر، والناس فيها رجلان: رجل باع نفسه فأوبقها، ورجل ابتاع نفسه فأعتقها".
ومن كلامه رضى الله عنه
"مثل الدنيا كمثل الحية لين مسها وفي جوفها السم الناقع يهوى اليها الصبي الجاهل ويحذرها ذو اللب الحاذر".
1 / 19
اخبرنا محمد قال حدثنا محمد بن حماد (١) البغدادي المعروف بابن الخشنى (٢) قال حدثنا القاسم بن عبيد الله (٣) الهمداني قال حدثنا الهيثم بن عدي عن مجالد عن الشعبي قال: قال على رضوان الله عليه "إنى لأستحيى من الله أن يكون ذنب اعظم من عفوى، او جهل أعظم من حلمى، او عورة لا يواريها سترى، او خلة لا يسدها جودى".
ومما حفظ من كلامه كرم الله وجهه
اذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكر المقدرة عليه.
ومن مواعظه رضوان الله عليه
"إن الله وقت لكم الآجال، وضرب لكم الأمثال، وألبسكم الرياش، وأرفغ عليكم المعاش، وآثركم بالنعم السوابغ، وتقدم اليكم بالحجج البوالغ، وأوسع لكم بالرفد الروافغ، فشمروا فقد احاط بكم الاحصاء وأرهن لكم الجزاء".
ومن كلامه رضى الله عنه في ذم الدنيا
"الدنيا غرور حائل، وزخرف زائل، وظل آفل،، وسناد مائل، تردى مستزيدها، وتضر مستفيدها، فكم من واثق بها راكن قد أرهقته بايباقها (٤) وأعلقته بأرباقها، وأشربته خناقها، وألزمته وثاقها".
ومن كلامه رحمة الله عليه
"إنكم مخلوقون اقتدارا، مربوبون اقتسارا، ومضمنون اجداثا، وكائنون رفاتا، ومبعوثون أفرادا، ومدينون حسابا، فرحم الله عبدا اقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وعمر فاعتبر، وحذر
_________
(١) في تاريخ تاريخ بغداد ٢: ٢٥٩ ودمشق ٤٢: ٥١٧ من طريق المرزباني عن ابن دريد، به، قال: حدثنا محمد بن "أحمد". ش
(٢) في نسخة المتحف: بأبى الخشن. اهـ.
وفي تاريخ بغداد ٢: ٢٥٩: "المعروف بابن الخشن"، ودمشق ٤٢: ٥١٧: "المعروف بابن الحسن". أقول: وهو خطأ والصواب ما جاء في تاريخ دمشق، قال السمعاني في الأنساب في ترجمة "الخشني" ٥: ١٤٣: "بفتح الخاء وكسر الشين المعجمتين وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى الخشن، وهو محمد بن أحمد البغدادي الخشنيّ المعروف بابن الخشن، من أهل بغداد، حدث عن القاسم بن عبيد الله الهمدانيّ، روى عنه أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي".اهـ. ش
(٣) نسخة آكسفورد: عبد الله.
(٤) نسخة آكسفورد: بايئاقها.
1 / 20