جامعه مدنی و فرهنگ اصلاح: دیدگاه نقادانهای به اندیشه عربی
المجتمع المدني وثقافة الإصلاح: رؤية نقدية للفكر العربي
ژانرها
والتغيير على طريق التطوير استجابة مجتمعية، وابتكار ذاتي إزاء تحديات مفروضة، استجابة مجتمع يتميز بعافية وقدرة ومن خلال آلية حرة منظمة تكفل أكبر قدر ممكن من صواب رد الفعل، ولكن حين يغيب رد الفعل المجتمعي على الرغم من الصدمات والأحداث الجسام التي تحيط بالمجتمع، كما نرى الآن، فإن هذا يعني أن المجتمع بات مصيره مجهولا، وليس أمره بيده، والتغيير والتطوير في عصرنا الحديث ليس جهد أمير أو سلطان أو حاكم فرد مهما خلصت وصلحت النوايا، نحن نعيش عصر الإنسان العام، أو عصر الجماهير ومثقفي الجماهير وحكام الجماهير، عصر زعماء يتحركون بالجماهير المنظمة مؤسسيا وبالإنسان العام الواعي ذي الفاعلية العقلانية الواعية، ومن خلال مؤسسات معبرة عن كل مجالات الأنشطة والمصالح الاجتماعية في إطار المساواة والحرية والسيادة القانونية.
ولقد شرع العديد من بلدان المستعمرات السابقة، التي عرفت طريقها إلى النهضة في استكشاف الموارد الغزيرة المستمدة من تقاليدها الثقافية المحلية لدعم استراتيجيتها للتطوير والتقدم اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا وإنسانا عاما، ونشأت حركات فكرية تقدمية هي ابتكار ذاتي وتجسيد لاستراتيجيات التطوير من مثل الأسينة
Asianization ، مثلما نشأ عندنا شعار الأسلمة، ولكن من أسف أن قنع به أصحابه رسما دون مضمون وبرنامج عملي استراتيجي، ويلاحظ هنا أن الجميع يستثمرون مصادر تراثهم على أساس دراسة نقدية وفي تأويل جديد داعم للتكيف مع الواقع العالمي المتغير وليس للدوران داخل حدود نص شكلي قديم، جف معينه بعد أن مضى زمان صلاحيته، أدركوا عن صواب أن الدراسة المستقبلية تستلزم رؤية نقدية للغرب وللتراث وللذات التاريخية الثقافية وتطوير التراث ليكون آلية دفع، لا آلية ارتداد، وبذا تتجدد المنظومة الذهنية قرين استيعاب الواقع الراهن والمشاركة في إبداع الجديد استلهاما لروح العصر: العلم والتكنولوجيا.
والتغيير على طريق التطوير حسب هذا المعنى تعبئة وحشد وتطوير لكل الجهود والطاقات: معرفية ومعلوماتية وعلمية وتعليمية وتراثية وثقافية وتربوية وإعلامية واقتصادية وعسكرية، لتصب جميعها من خلال مؤسساتها في جهود بناء الإنسان الجديد، ويتلخص هدف التطوير وصورته في شكل إطار فكري نظري صالح للتطبيق بفضل هذا الإنسان ومعبر عن حصاد جهد وحوار جمعي، ولهذا نحن في مصر بحاجة أولا وأساسا إلى إطار فكري تنويري تميزه خصوصية الواقع وأحداث التاريخ، قرين رؤية نقدية ذاتية لتراثنا الثقافي والسياسي، ويكون بوصلة موجهة للسلوك وقادرا على حشد زخم القوى الاجتماعية وحفز الحركة قدما على طريق التطوير.
وينبني مثل هذا الإطار الفكري، لكي تتوفر فيه الخصوصية المميزة، على أساس دراسة تسهم فيها كل المؤسسات المدنية ذات المصلحة المنوط بها إنجاز نشاط اجتماعي ما، ولا يكون حبيس رأس حاكم وحده مهما بلغت حكمته، وتتصف هذه الدراسة بأنها متعددة الأبعاد: تاريخية وثقافية اجتماعية واقتصادية وسياسية وأنثروبولوجية ... إلخ، ودراسة مقارنة لواقع أزمة المجتمع المحلي وواقع حال المجتمع الإقليمي والعالمي وتناقضاتهما وإنجازاتهما وتحدياتهما، إنه إطار فكري لاستراتيجية بعيدة المدة وإن قسمها المجتمع إلى مراحل، وهو دائما موضوع الحوار والاختلاف والصراع، وتجري هذه الدراسة بالضرورة في إطار الحرية والعقلانية والمنهجية الموضوعية مع مساحة للصراع الفكري الحر الملتزم بالعقل العلمي وقبول الاختلاف مع الآخر، والتعالي عن الحزازات والانحيازات الدينية والطائفية والجزئية التزاما بمصلحة المجتمع العام، وذلك ضمانا لحشد القوى ليكون تغييرا جمعيا ما دام أنه يستهدف الإنسان/المجتمع، أو المواطن العام صاحب المصلحة، وتتحدد معه آليات التنفيذ الحر من تثقيف وتعليم وتنشئة اجتماعية وإعلام وحق الاقتراع والانتخاب والترشيح وبناء المؤسسات علمية وسياسية، والاعتراف بالذاتية المستقلة الحرة للمواطنة وبالروح الجماعية التي لا تعني نظرة أيديولوجية شمولية تحجب الاختلاف، وإنما تسمح به وتتسامح معه وتملك آلية صحية لمعالجتها.
إن الدعوة إلى الإصلاح أو التطوير يتعين أن تكون دعوة عامة ومسئولية عامة لمراجعة نقدية لكل مقومات المجتمع، ويلزم أن نسأل أنفسنا ضمانا لجدية الخطو على طريق النهضة في اتساق مع مقتضيات العصر:
كيف نفكر في قضايانا ومشكلاتنا؟ ما هي مرجعيتنا في التفكير: عقل علمي، أم عقيدة موروثة؟ ما هو تراثنا الثقافي في التفكير، تنافس، أم قناعة بميزة نسبية تتمثل في موجودات طبيعية؟ تواكلية في السلوك، أم إبداع وتحد؟ صراع على السلطة، أم صراع على برامج ومناهج عمل؟ التركيز على رأس المال المادي/المالي أم رأس المال البشري المعرفي؟ رعايا أم مواطنون، ووصاية أبوية أم حرية فردية مسئولة؟ هل نعتمد التراتبية الرأسية أم الجدارة والمرونة؟ هل دأبنا سياسة رد الفعل أم المبادرة الداعمة للفعل واستباقه؟ السلطة هي المفكر الرئيسي أم الأمر مشاركة فاعلة منظمة من الإنسان العام والمؤسسات؟ هل نهجنا في الحياة والإصلاح إعادة توزيع الثروة أم خلق الثروة؟ هل نلتزم نظام حكم قائم على نزعة أبوية أم الابتكار والمشاركة الديمقراطية بين مواطنين أحرار متساوين؟ هل رأس الدولة غايته الاستقرار والمحافظة أم التطوير والتغيير والتحدي.
ولنا أن نسأل ما هي ثقافة قيادة الأمة في الحكم وفي الأحزاب وفي مشروعات الأعمال؟ كيف يصوغون استراتيجياتهم على النحو الذي نراه، إن كانت لهم استراتيجية، ولماذا لا يعملون على هدى استراتيجية، ويقنعون بسياسة رد الفعل؟ كيف تفكر الجماعات والأحزاب في قضايا الأمة؟ هل التفكير في إطار قبول التحدي والمنافسة البرنامجية وفي أسلوب الأداء أم كفالة البقاء؟ في أي المجالات تؤكد القيادات وجودها وقوتها، الأمن، الاستقرار (أمن السلطة واستقرارها أم الوطن والمواطن)، خلق الثروات، دعم التنافس، تطوير الإنسان وتعظيم رأس المال البشري، الحريات والديمقراطية، تطوير رؤية مشتركة والمشاركة في صنعها، أم رؤية فردية، المصالح الشللية والمحسوبية أم المساواة أمام القانون صاحب السيادة في الحقوق وفي فرص العمل والثروة؟
ما هي الثقافة الاجتماعية وثقافة القيادات السياسية وتجلياتها في التعليم والإعلام والتنشئة والتفاعل الاجتماعي ...؟ هل هي ثقافة مقاومة للتغيير أم غرس قيم التغيير ومعاييره وفضائله؟ إبداع وسائل غير تقليدية والالتزام بالمنهج العلمي في التفكير وفي فهم مشكلات الداخل ومشكلات العالم من حولنا؟ قد يكون التحدي خلق نماذج ذهنية أو إعادة بناء المنظومة الذهنية الحاكمة لثقافتنا العامة وثقافة القيادات، وهو ما يتأكد ويتحقق من خلال الحياة السياسية العامة داخل منظومات حرة؟ هل التغيير من خلال الناس وبالناس بوصفهم مواطنين أحرارا في مجتمع مدني، أم تأسيسا على نظام الوصاية؟ بات ضروريا تغيير النماذج الذهنية الأساسية الموروثة التي تشكل طريقة المرء في التفكير بشأن المخاطرة والثقة والمنافسة والسلطة ... إلخ، وحري أن يمثل هذا بؤرة جهود التغيير وأن يتجلى في التعليم والنشاط العلمي والسياسي.
فعالية الإنسان المصري في التاريخ
صفحه نامشخص