مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
ژانرها
وقد وصلتنا أخبار قليلة عن بعض هذه الغزوات البحرية وانتصاراتها في العصر الفاطمي، وكيف كانت تستقبل عند عودتها، وماذا كان يفعل بأسراها.
ذكر المقريزي أنه قدم على الأسطول مرة أمير يقال له: حرب بن فور، فكسب بطسة (أي سفينة حربية كبيرة) حصل فيها خمسمائة رجل.
واتفق مرة أن قدم على الأسطول قائد آخر يدعى سيف الملك الحمل، فخرج للغزو، وأسر بطسة عظيمة فيها ألف وخمسمائة شخص، بعد أن قتل منهم نحوا من مائة وعشرين رجلا، وعاد بالسفينة والأسرى إلى دمياط، ثم صعد بها إلى القاهرة، فخرج الخليفة إلى منظرة المقس، واحتفل بعودته احتفالا رائعا، وأطلق الأسرى بين يديه، «واستدعيت الجمال لركوبهم، وشق بهم القاهرة ومصر، وهم كل اثنين على جمل ظهرا لظهر.» (4) دمياط في العصر الأيوبي
وفي منتصف القرن السادس الهجري (12م) قضي على الدولة الفاطمية الشيعية وخلفتها في حكم مصر دولة جديدة سنية المذهب هي دولة بني أيوب. وفي عهد بني أيوب لعبت دمياط دورا خطيرا في تاريخ مصر السياسي والحربي، فقد كثرت غارات الصليبيين العنيفة على هذا الثغر، ولكن دمياط صمدت لهذه الغارات، ودافعتها ودفعتها في شجاعة وبطولة. (4-1) في عصر صلاح الدين
بدأت هذه الغارات في سنة 565 وصلاح الدين لا يزال بعد وزيرا للعاضد، ففي الثالث من صفر من تلك السنة وصلت إلى دمياط أساطيل الصليبين في نحو ألف مركب تحمل مائتي ألف فارس وراجل، واستطاعوا أن ينزلوا بالبر، وظلوا يحاصرون المدينة ثلاثة وخمسين يوما؛ فأسرع صلاح الدين وأرسل إليها الجيوش بقيادة ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه وخاله شهاب الدين الحارمي، وأسرع الخليفة العاضد فقدم لصلاح الدين كل مساعدة ممكنة، ثم خرج صلاح الدين بنفسه ليشرف على القتال في دمياط، ووصلت أخبار هذه الحملة إلى نور الدين في الشام؛ فأرسل إليه الأمداد، وخرج نور الدين بنفسه لمناوشة أملاك الصليبيين في الشام، فاضطروا أمام هذا وذاك أن يغادروا المدينة في الحادي والعشرين من ربيع الأول بعد هذا الحصار الطويل دون أن يصيبوا منها شيئا، وبعد أن «غرق لهم نحو ثلاثمائة مركب، وقلت رجالهم بفناء وقع فيهم، وأحرقوا ما ثقل عليهم حمله من المنجنيقات وغيرها.»
واجه صلاح الدين هذه الشدة العظمى في دمياط وهو لا يزال يخطو خطواته الأولى نحو ملك مصر؛ لهذا نجده يعنى بهذا الثغر وبتحصينه - في قابل أيامه - عناية خاصة، ففي الثاني والعشرين من شعبان سنة 572 (فبراير 1177م) - وقد استقل صلاح الدين بمصر - خرج من القاهرة فقصد إلى دمياط لزيارتها، وكان في صحبته ولداه: الأفضل علي، والعزيز عثمان، وكاتبه العماد الأصفهاني، فمكث بالمدينة يومين ثم رحل منها إلى الإسكندرية، وقد حدد العماد الأصفهاني الغرض من هذه الزيارة بقوله: «ورأى (أي صلاح الدين) في الحضور بالثغر المذكور ومشاهدته الاحتياط.» كما ذكر أن سفن الأسطول بدمياط كانت قد خرجت للغزو وعادت بسبي كثير، قال: «وكان له سبي كثير جلبه الأسطول.»
وفي سنة 577 (1181-1182) كان قد مضى على صلاح الدين منذ استقل بمصر عشر سنوات، وأراد أن يرحل إلى الشام ليوفر جهوده كلها لتحقيق هدفه الأسمى وهو محاربة الصليبيين وطردهم من البلاد الإسلامية، ولكنه أراد - قبل أن يغادر مصر - أن يستوثق من مناعتها وقوة حصونها وثغورها، ففي هذه السنة بدأ بناء قلعة الجبل بالقاهرة، وفيها (في ربيع الأول) أغار الفرنج على تنيس واغتصبوا مركبا للتجار؛ فاشتد خوف أهلها، وأرسل السلطان رجاله لعمارة قلعة تنيس وتجديد الآلات بها، فقدروا «لعمارة سورها القديم على أساساته الباقية مبلغ ثلاثة آلاف دينار.» وفيها أيضا انتشر الخبر بأن (الابرنس أرناط) صاحب الكرك على عزم الخروج إلى أيلة ومنها إلى تيماء رغبة في الاستيلاء على المدينة المنورة «فورد الخبر من نائب قلعة أيلة بشدة الخوف من الفرنج.»
واتخذ صلاح الدين لهذا الخطر عدته، فاستدعى خمسين مركبا من مراكب دمياط لتشارك في حماية ساحل مصر (الفسطاط)، وأمر ببناء برج في السويس فيه الفرسان لحفظ طريق الصعيد، وأمر بعمارة قلعة تنيس وأسوارها - كما سبق أن ذكرنا - وكتب إلى دمياط بترتيب المقاتلة على البرجين، ورم شعث سور المدينة، وسدت ثلمه، وأتقنت السلسلة التي بين البرجين، يقول المقريزي: «فبلغت النفقة على ذلك ألف ألف دينار.»
وفي شعبان من نفس السنة شرع في إصلاح سور دمياط وبناء ما تهدم منه، وكان ذرع هذا السور كما نص المقريزي: «أربعة آلاف وستمائة وثلاثون ذراعا» كما شرع في بناء برج جديد بالمدينة.
ولم يقنع صلاح الدين بهذه الأوامر يصدرها، وإنما رحل بنفسه في شهر شوال إلى مدينة الإسكندرية فأشرف على حصونها وأسوارها، وتركها في أول ذي القعدة، فسار إلى دمياط وأشرف بنفسه أيضا على ما تم من إصلاح أسوارها وتحصين قلاعها وأبراجها وسلسلتها ثم عاد إلى القاهرة.
صفحه نامشخص