مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
مجمل تاريخ دمياط : سياسيا واقتصاديا
ژانرها
وقد عرفت دمياط - لأهميتها - في ذلك العهد نظام جوازات السفر؛ فقد ذكر ابن بطوطة أنه «إذا دخلها أحد لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالي، فمن كان من الناس معتبرا طبع له في قطعة كاغد يستظهر به لحراس بابها، وغيرهم يطبع على ذراعه فيستظهر به.»
وهذا النص هام من ناحية أخرى؛ فهو ينص على أن المدينة كان لها باب عليه حراس، ولا يمكن أن يكون للمدينة باب إلا إذا كان لها سور، فهل بني حول المدينة الجديدة سور؟ ومن الذي بناه ومتى بناه؟ هذه أسئلة لا نجد لها جوابا عند مؤرخي العصر المملوكي.
وقد زار ابن بطوطة معالم المدينة المشهورة في ذلك الحين، ووصفها في رحلته، فمما زاره البرزخ، قال: «وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل، تسمى البرزخ (وهي رأس البر الحالية)، بها مسجد وزاوية، لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل، وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبدين الأخيار، قطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكرا.»
وهذا الوصف يعطينا أيضا صورة واضحة للحياة العلمية الدينية التي كانت مزدهرة في المدينة في ذلك الحين، والتي لا تزال دمياط تحتفظ بها وتشتهر حتى اليوم.
وزار ابن بطوطة - فيما زار أثناء مقامه بالمدينة - زاوية الشيخ جمال الدين الساوي، وقال إنه: «قدوة الطائفة المعروفة بالقرندرية (أو القلندرية) وهم الذين يحلقون لحاهم وحواجبهم.»
والشيخ جمال الدين الساوي هو غير جمال الدين شيحة المدفون بدمياط أيضا - كما يظن البعض، فابن شيحة - كما أرجح - مجاهد من الذين جاهدوا ضد حملة لويس ، وقد امتد به العمر إلى عصر الظاهر بيبرس.
وزار ابن بطوطة ضريح شطا، قال: وبخارج دمياط المزار المعروف بشطا، وهو ظاهر البركة، يقصده أهل الديار المصرية، وله أيام في السنة معلومة لذلك.
وكانت البساتين تحيط بدمياط، وخاصة في قرية المنية التي لا تزال تعرف بهذا الاسم حتى الآن، وقد زارها ابن بطوطة ووصفها بقوله: «وبخارجها أيضا بين بساتينها موضع يعرف بالمنية، فيه شيخ من الفضلاء يعرف بابن النعمان، قصدت زاويته وبت عنده.»
وذكر ابن بطوطة أيضا أن والي دمياط - وقت مقامه بها - كان يسمى المحسني، كما ذكر أنه كان من ذوي الإحسان والفضل، وأنه بنى بدمياط مدرسة على شاطئ النيل، وقد أقام ابن بطوطة بهذه المدرسة طيلة الأيام التي قضاها بدمياط، وقد غادر ابن بطوطة دمياط إلى فارسكور دون أن يعلم الوالي برحيله، فأرسل وراءه فارسا من رجاله قدم له هبة مالية يستعين بها على سفره.
هذا مجمل وصف ابن بطوطة لدمياط وضواحيها في الربع الأول من القرن الثامن الهجري (14م)، وهو وصف قيم نادر لأنه يبين في وضوح كيف نمت المدينة وازدهرت واتسعت أطرافها، وكثرت مبانيها ودورها، ولأنه ينص على أن بيوتها كانت تطل في معظمها على النيل، وعلى كثرة ما بها من مدارس وزوايا، وعلى ازدهار الحياة العلمية والدينية بها، كما أنه يشير إلى كثير من معالم المدينة، وبعضها باق حتى اليوم، وبعضها اختفى مع الأيام، فهو نص هام للمؤرخ والطبوغرافي الذي يريد أن يرسم صورة واضحة لدمياط في القرن الثامن الهجري.
صفحه نامشخص