محاورات ألفرد نورث وايتهيد
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
ژانرها
قال: «أعتقد أنه لا بد من إضافة هذه الوصية الحادية عشرة: «صادق دائما من يخدمك.»»
المحاورة الحادية عشر
17 من مارس 1938م
يوم العطلة المعتاد احتفالا بجلاء البريطانيين من بوسطن، غير أن الصحف لا تعطل في هذا اليوم؛ لأن هناك دائما استعراضا ضخما جنوبي بوسطن، حيث كانت تصوب مدافع واشنطن من قلعة تيكونديروجا.
وقضيت المساء مع آل هوايتهد، وكان ذلك إثر استيلاء الألمان على النمسا مباشرة، وكانوا يحسون بالاستياء الشديد، وقال هوايتهد إنه يرى الموقف سيئا للغاية. وقالت زوجه إن معناه قيام حرب أخرى عاجلا أو آجلا. وتحدثنا عن تأليف الوزارة البريطانية فقال: لقد أدارت دفة السيارة الخارجية جماعة من المحافظين (التوري) يريدون السلام ما في ذلك شك، ولكنهم يريدونه لأسباب خاطئة، يريدونه لكي يحتفظوا بما يملكون، ولست أريد بذلك أن أقول إنهم خائنون.»
قلت: «ليست بهم حاجة إلى ذلك؛ فإن الطبقات ترى صالح الأمة في صالحها.»
وقالت مسز هوايتهد: «إن ذلك يصدق على أغراض العمال كما يصدق على المحافظين.»
وواصل هوايتهد حديثه قائلا: «كان العمال ينادون بنزع السلاح كلما ورد المدفع على لسان متحدث، ثم بدأنا بعد ذلك مباشرة في الصدام - كما حدث عندما شنت إيطاليا حملتها على الحبشة - فصاحوا قائلين: «إن ذلك ما كان ليحدث لو كنا مسلحين.»» - «كنت دائما أتساءل ماذا عسى أن يفعل العمال لو حملوا التبعة على حين غرة؟» فأجابني بقوله: «إن المحافظين والعمال كليهما كانوا يسيرون إلى منتصف الطريق في سياسة خاطئة؛ العمال يعارضون التسلح، والمحافظون يحاولون الصلح مع الدكتاتوريين.» - «يبدو أن الأمر الوحيد في الديمقراطية مما يستحق الإبقاء عليه هو حرية الفرد.»
فعلق على ذلك هوايتهد بقوله: «بل هما أمران؛ أحدهما حرية الفرد، بيد أن علمك بالتاريخ يذكرك بأن في أعماق المجتمع دائما ضربا من ضروب البؤس؛ الرق في العالم القديم، ونظام الإقطاع في العالم الوسيط، والعمال الصناعيون المأجورون منذ تطور العمل الآلي. وعصرنا هو العصر الأول الذي لا يشوبه العوز المادي إذا نظم هذا الإنتاج الآلي بدرجة مقبولة، غير أن روسيا قد خففت من آلام الجماهير على حساب الحرية الفردية، والفاشيين حطموا الحريات الشخصية دون أن يخففوا في الواقع من وطأة الظروف التي يعانيها الجماهير. إن من واجب الديمقراطية أن تخفف من بؤس الجماهير مع الاحتفاظ بحرية الفرد.» - «وهل فيمن نسميهم الأرستقراط فائدة كبرى لنا؟» - «لو ظلوا على قيد الحياة، من رأيي أن ترتفع ضريبة الميراث بحيث لا يمكن لأسرة من الأرستقراط الكسالى أن تعيش، ولكني لا أحبذ تحديد مستوى الدخل، ويجب أن تتوفر للأسرات ذات الثراء حرية التجريب؛ فإن هواية الغني في جيل هي حاجة الفقير في الجيل الذي يليه، من سيارة رولز رويس إلى سيارة فورد. ولولا الأسرات الفنية ما قامت جامعاتكم في أمريكا التي تستند إلى التبرعات الشخصية، وإنما هي هارفارد، وبرنستون، وشيكاغو، وأمثالها، التي ترسم الطريق لجامعات الحكومة، التي لولاها لوقفت جامدة بغير حراك.»
وفي تمام التاسعة دق جرس الباب، وكانت القادمة جريس دي فريز، أنيقة، عالية الروح، ترتدي زيا أسود اللون، مثل مسز هوايتهد، وهو لون يلائمهما كلتيهما. وفي الأسبوع السابق كانت في نانتكت فتوجهت إلى طرف الحقل حيث قبر زوجها الشاب ثاديوس، الذي كان رئيسا للتحرير بصحيفة «جلوب»، ولما كانت نانتكت موطن أسرة دي فرنز لأجيال أربعة، فقد ورد ذكرها بإيجاز، ثم انتقل الحديث إلى ضباب البحر الذي أطبق على الجزيرة، ثم إلى «برك الندى» في منخفضات ولتشير، حيث كان آل هوايتهد يقضون فصل الصيف من كل عام لعدة سنوات. ولما عدنا إلى الحديث في مهام الموضوعات، أثرت ملاحظات هوايتهد التي أبداها في العام الماضي بشأن الأوبرات العظيمة، فصحح ذاكرتي قائلا: «أنا لا أقول إن فاجنر ليس جليلا، أو إني لم أستمتع به، وإنما أقول إن مثل القوة والمجد الذي يستند إلى التاريخ العنصري من الميسور جدا أن يساء فهمه، بل لقد أسيء فهمه فعلا. إن الكفاح والطموح والنشاط البطولي، كل ذلك من الاتجاهات النبيلة، فيها من النبل ما في أي اتجاه إنساني، ولكنها حينما تنحدر إلى مجرد حب للسيطرة تصبح من الشرور.» - «إنني حينما أطبق رأيك هذا بأن مثل هذه السلسلة من الدرامات الموسيقية كان من الجائز أن تحطم النبوغ السياسي للشعب الإنجليزي في جيل من الأجيال، يقال لي: «وما الرأي في شكسبير؟!»»
صفحه نامشخص