الضابط يدنو من غسان فيما كانت الخلايا السرطانية تنتشر بشراسة محاولة تمزيق جسد غسان الذي غدا نحيفا وهزيلا. ثم راح يحدق في وجه «خيمي» الذي كرر العبارة للمرة الثالثة: الأمر بسيط، والخيارات واضحة: أن تموت أو أن نأذن لك بالعلاج كي تعيش .. الاختيار سهل، لو أن كل خيارات الحياة بهذه السهولة!
يومن «خيمي» بأن الإنسان بمنتهى البساطة عليه أن يختار حياته .. لكن غسان يعرف جيدا معنى «أن أكون»؛ لذا تبدو خياراته دائما صعبة ومفاجئة، نظر غسان في وجه «خيمي» متذكرا أيام اعتقاله قائلا: أيعقل أن هذا الوجه يستطيع أن يمنح الحياة؟
نسيت أن أقول إن قطعة النقد سقطت أرضا وحسم الأمر.
3
كانت قطعة النقد تتقلب في الهواء ما بين الطبيب وغسان، ينظر الطبيب إلى غسان بعينين آملتين أن يختار نجاته إلى أن سقطت أرضا، أحنى الطبيب ظهره يأخذها عن الأرض وهو يتحدث وكأنما يحدث نفسه: إذن فقد فشلت محاولة التهريب إلى القدس؟
أشعل غسان سيجارة ولم يجب. - وتدخن أيضا؟ ألم أطلب منك أن تكف عن هذا؟
سحب نفسا عميقا من السيجارة وتنهد ينفث الدخان بصورة تلخص حكايته مع السجائر، ثم قال بعد صمت: لم أسمع كلام الضابط عندما وضعني أمام خيار كهذا .. أنسيت أنه أيضا وضعني في مأزق ما بين الموت أو الحياة؟ - أما أنا فلست الضابط، والتوقف عن التدخين لا يتساوى بالاعتراف عما يضمر أخوك.
أخذ قسطا من الصمت قبل أن يردف: ماذا ستفعل الآن؟ .. السرطان قد توغل في دمك، عليك أن تجد خيارا لا يحمل موتك.
أمسك غسان بقطعة النقد ونظر في وجهيها يقول: لا أعرف خيارا كهذا. - ولكن يا غسان أنت الخاسر .. في كل دقيقة تأخير تزداد بحجمها الخلايا وتخسر من حياتك. - ليس مهما أن أنجو من موتي .. المهم أن أنجو من حبي الشديد للحياة بتجلياتها .. إنها تداعبني بمغرياتها وسجائرها وفتاتها التي كنت أحبها، تداعبني بطريقي الجميل من بيتي إلى مقهى البلدة، ذاك الذي كان محض طريق أمضي فيه بلمح البصر، لا أعرف له من بداية ولا نهاية، وصار الآن طويلا وشاقا أحسبه بالخطوة وفي كل خطوة يزداد تلهفي لرائحة المقهى والرفاق، وصار فنجان القهوة يحمل معه متاعب الطريق وشقائي ولهاثي واستراحاتي الطويلة والكثيرة على أرصفته.
4
صفحه نامشخص