دخل متفرجون آخرون إلى الصالة، وعلي يواصل: كنت طوال الوقت مستسلمة للموت فداء للمعشوق .. بل لكل المعشوقين الحمقى.
جاء آخرون إلى الصالة، فيما قالت مريم : أنت الذي أردتني مشابهة ككل اللائي خلقتهن؛ مستسلمة، بائسة ومهزومة .. أنت لا تحتمل وجودي خارج نطاق خيالك. - بعد كل عرض يحدث ما يحدث الآن .. مع كل دور تلعبينه كنت تخلعين قناعا آخر. - ومع كل نص كنت ترسم جانبا آخر من فتاتك المشتهاة .. تلك التي لم ولن أكونها يوما.
هم علي بأن يصرخ، ولكنه اختار أن يصمت.
كان يعرف جيدا أن المسرح في كل عرض يعيد تعريف العلاقة بينهما؛ تلك العلاقة التي ترفضها كل الأعراف، أراد بالكتابة أن يفصح عن عمق حبه، أن يعري كل شيء بحبه فقط .. وأدرك تماما بأن الخيال لا يكفي ليكونا عاشقين. وكانت مريم توقن بأن الخشبة تبرز الفجوة بينهما وتفضحها، تحاول عبثا أن تعري المجتمع ولكنها لا تصلح شيئا.
جلست في منتصف الخشبة شاردة، كأنها تحاول بشرودها أن تمنع دموعها من الانهمار، أما علي فقد واصل الصراخ كأنه أراد بصراخه أن يخفي المشكلة الحقيقية بينهما.
كانت الصالة قد ازدحمت بالجمهور تماما، فيما اقترب علي من مريم ووجد السكين بجانبها، «كانوا قد نسوه هنا بعد العرض». أحنى ظهره ينظر فيه، لاحظ لونه المصطبغ بالأحمر، تماما كالدم، أطال النظر فيه ولم يأخذه .. تسمرا على تلك الحال لبضع ثوان إلى أن بدأ الجمهور بالتصفيق الحار والطويل.
حلم
حبيبي .. قبل أن أبدأ .. اسمح لي أن أكررها: حبيبي، حبيبي .. أتسمع؟ أقول لك حبيبي .. منذ ولادتك لم أقلها لأحد، أسمعها كل ليلة وأعجز عن قولها .. لست أشتاق إليها فهي تعيدني إلى تلك الحالة المريبة من الانقباض والاشمئزاز من كل شيء .. ولكني طوال الوقت أشتهيها كما تشتهيني كل العيون المكتظة على الأرصفة والمطاعم وفي كل مكان.
أعرف بأنك تبغضني وأعرف حجم النقمة التي تعشش في صدرك منذ سنين، وأعرف بأنك طوال هذه السنين وأنت تستجمع البصاق لتقذفه في وجهي، طوال الوقت وأنت تقحم الكلمات العاهرة في معجمك لترشقها الآن في وجهي .. أعرف ذلك حق المعرفة، ستقول عاهرة رفعت رجليها لأول عاهر طريق كي تحبل بخطيئتها تسعة أشهر صامدة صامتة لتقذفها في نهاية الأمر إلى قاع المدينة المزدحم بالخطايا، ومضت تكمل حياتها وكأن وجعا لم يكن .. ستقول أيضا بأنني قاسية ملعونة ألقيتك عن جسدي وكأنك العار، أجل فعلت، حررتك مني وجعلتك تتخبط في منعطفات الحياة وحدك.
كان يمكن أن أقتلك في رحمي، فقد طلب مني أبوك أن أفعل وأجهضك ولم أشأ، قذفك في رحمي لأقذفك إلى الحياة ثم تركلك بدورها إلى الشوارع والأزقة وشارات المرور ومأوى الأيتام ليعيدوك مجددا إلى حضني ..
صفحه نامشخص