مهربو كتب تمبكتو
مهربو كتب تمبكتو: السعي للوصول إلى المدينة التاريخية والسباق من
ژانرها
قدمت ربات البيوت وجبات الطعام والمأوى للناقلين العاملين معنا على امتداد الطريق. ونقل التجار الناقلين وخزانات الكتب بالمجان، عندما رأوا الأشخاص العاملين معنا يجرونها على عربات يد أو يحملونها على ظهورهم لأخذها إلى الأمان بجوار النهر ... صنعت قرى بأكملها مناورات عند نقاط التفتيش، حتى يستطيع رجالنا تجاوزها مع الكتب. في كل الحالات، ليس فقط في الشمال وإنما أيضا في الجنوب، تقدم المجتمع للمساعدة من أجل حماية المخطوطات ... كانوا يطلقون [عليها] «تراثنا»، و«مخطوطاتنا».
بحلول منتصف شهر يناير، كانت عشرات الآلاف من المخطوطات في القرى في انتظار شحنها جنوبا، وإذ كان طريق الصحراء مغلقا، لم يكن يوجد إلا طريق واحد لنقلها؛ عبر النهر. ولكن كان هذا ينطوي على مخاطر جديدة كبيرة، وأصبح مصدرا للخلاف بين رجل المكتبات وشريكته. قالت دياكيتي لمستمعيها في جامعة أوريجون: «تجادلنا أنا وعبد القادر [حيدرة] بشأن استخدام المجرى المائي.» ثم أردفت: «كان مؤيدا لذلك - فهو الفرد الشجاع في الثنائي الرهيب الذي نكونه - وكنت معارضة بشدة. فالمخطوطة المبللة هي مجرد كومة من الخرق القديمة. المخطوطات في معظمها مصنوعة من الورق القطني، الذي يغطي الحبر سطحه. لا يحوي أي من الأحبار المستخدمة في كتابة هذه المخطوطات أي نوع من المثبتات. فهي سريعة التطاير تماما.» في النهاية لم يكن أمامهما خيار؛ لأن الطرق كانت ستزداد خطورة مع تقدم القوات الفرنسية والمالية. تذكرت دياكيتي: «أصبح استخدام النهر أمرا حتميا.» ثم أضافت: «توقفت عن النوم تماما في تلك المرحلة. قال لي عبد القادر إنه هو الآخر قد جافاه النوم.»
لم يكن نقل المخطوطات بالقوارب محفوفا بالمخاطر فحسب، وإنما كان أيضا باهظ التكلفة. في يوم الثلاثاء، الموافق الخامس عشر من يناير، شرعت دياكيتي مجددا في محاولة جمع المزيد من التمويل، فوصلت في ذلك اليوم إلى السفارة الهولندية في حي هيبودروم في شرق باماكو من أجل مقابلة مع مسئولة المساعدات الإنمائية في السفارة، تو تجيوكر. كانت دياكيتي قد عرفت اسم تجيوكر، وكذلك اسم مؤسسة خيرية مقرها في هولندا، هي مؤسسة دوين، عن طريق أحد معارفها في قسم تمويل التنمية الهولندي. وكان قد قال لها إن تجيوكر كانت ستستمع إليها على الأقل. إن كان بوسع أي شخص أن ينجز الأمور، فإن بوسعها ذلك.
أخبرت دياكيتي تجيوكر بالمشكلة. تذكرت الدبلوماسية: «قالوا نود أن تساعدينا لأنه لا يزال يوجد 180 ألف مخطوطة باقية في تمبكتو ولا يمكننا إخراجها من دون المزيد من المال.» أبلغت تجيوكر أن ردة فعل الجهاديين تجاه المولد النبوي مثلت تهديدا حقيقيا، وبخاصة لأن القوات الفرنسية كانت حينئذ تجبر الجهاديين على التراجع. ثم أردفت: «بعد معركة كونا صار مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في غاية الغضب وقالوا: «حسنا، سنريكم. سنقيم «أوتو-دا-في» كبيرا في يوم المولد النبوي، يوم ميلاد النبي محمد.»»
كان «أوتو-دا-في» - ويعني بالبرتغالية «فعل الإيمان» - مصطلحا كان يستخدم لوصف حرق الهراطقة وأدبيات الهرطقة على يد محاكم التفتيش في أوروبا في العصور الوسطى. لكن الصدى الحديث له جاء من استخدامه لوصف عمليات إحراق النازيين للكتب. أتلفت الجمعيات الطلابية في ألمانيا النازية، تحت إشراف الجناح العسكري للحزب النازي والشوتزشتافل (وحدات النخبة النازية)، الأدب المدرج في القائمة السوداء في المحارق، وفي ذلك الكتب التي كتبها مؤلفون يهود، وهم يلقون صيغ لعن. وصف جوزيف جوبلز هذه الطقوس بأنها أفعال قوية ورمزية تمثل بزوغ فجر عصر جديد وأفول العصر القديم. اقتنعت تجيوكر بأن هذا ما كان الجهاديون ينوون الآن فعله. تذكرت تجيوكر: «المولد النبوي «حرام» في عقول الجهاديين، كما المخطوطات.» ثم أضافت: «لذلك قالوا إنه في يوم الرابع والعشرين [من يناير] سيقيمون «أوتو-دا-في» كبيرا لكل المخطوطات.»
شرح «ائتلاف» سافاما و«دي إنترناشيونال» الطبيعة العاجلة لتهديد المولد النبوي في رسالة متابعة إلى السفارة، موقعة باسم حيدرة. كان يوجد 454 خزانة كان يلزم إجلاؤها على الفور وفي سرية ، بحسب ما أبلغ الدبلوماسيون الهولنديون؛ لأن الجهاديين كانوا قد قالوا إنهم سيتلفونها. كان الفشل في نقلها سيعني أن تراث تمبكتو الثقافي، «الذي يحمل آمال شعب بأكمله وفخره»، سوف «يفقد نهائيا.» لم يكن يوجد الكثير من الوقت؛ لأن المولد كان بعد أسبوع فقط.
لم يكن لدى تجيوكر ميزانية لإنقاذ الأمور الثقافية، ولكن دياكيتي كانت قد أتت تدق بابها في لحظة مناسبة؛ إذ كانت وزيرة الخارجية الهولندية، ليليان بلومين، قد أرسلت حالا رسالة قصيرة إلى السفارة تسأل عما بوسع الحكومة فعله لمساعدة مالي، وكانت تجيوكر مقتنعة بأن هذا هو ما ينبغي فعله. أخبرت دياكيتي بأنها ستحاول أن تعرض على وزارة الخارجية الأسباب التي ينبغي من أجلها تمويل عملية الإجلاء، وكتبت في ذلك اليوم مخاطبة رئيسها المباشر في لاهاي. كان الرد الذي جاء بين عشية وضحاها غير مفيد. قالت تجيوكر: «كان، كما تعرف، «إن الأمر معقد بعض الشيء».» غضبت جدا لدرجة أنها اتصلت بالسفير، مارتن بروير، الذي طلب منها أن تخاطب بلومين مباشرة.
تذكر بروير: «قلت: «حسنا، أرسلي [الطلب] مباشرة إلى الوزيرة واتصلي بسكرتيرة الوزيرة، وقولي لها إن هذا أمر ينبغي أن يكون على مكتبها أو في حقيبتها لأننا بحاجة حقا إلى رد سريع.»» فعلت تجيوكر كما اقترح بروير، متجاوزة التسلسل الهرمي الوزاري المعتاد. في الصباح التالي، الموافق السابع عشر من يناير، منحتها بلومين موافقتها على العملية. قالت تجيوكر: «قالت: «حسنا، لنفعلها».»
كان يتعين أن يظل المشروع سريا للغاية: «قلت [لبلومين]: «يجب ألا تطلعي أي أحد على الأمر؛ يجب أن يبقى سريا جدا؛ لأنه إن صار علنيا فسيبادر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بردة فعل ويعرقل عملية الإنقاذ التي ستقوم بها سافاما ... إن الأمر في غاية السرية ويمكن أن تعلنيه على الملأ بعد أربعة شهور أو خمسة ولكن ليس الآن؛ عليك أن تلتزمي الصمت.»» أخذت بلومين مناشدة تجيوكر لها بالصمت مأخذ الجد، حتى إنها نقلت الأمر إلى سفيرها. قالت لبروير: «دعنا لا نتحدث عن الأمر حتى يتم.» وصل الأمر إلى درجة أن السفارة سجلت الأموال في سجلاتها على أنها من أجل دفاتر مدرسية حتى تخفي الغرض الحقيقي من التبرع.
منحت وزارة الخارجية الهولندية 323475 يورو لسافاما. عندما أضيف هذا إلى الخمسة والسبعين ألف يورو من مؤسسة دوين والمائة ألف يورو من صندوق الأمير كلاوس، كان مجموع المبلغ الذي تبرع به الشعب الهولندي قد وصل حينئذ إلى ما يقارب نصف مليون يورو. أرسل رئيس تجيوكر المباشر المعارض للأمر في مكتب أفريقيا رسالة بريد إلكتروني يقول فيها إنه قد تلقى أمرا بتقديم المساعدة، وفي عصر ذلك اليوم بدأت الترتيبات تتخذ. توجهت إلى قسم الشئون المالية وقالت لهم: «حسنا، لدي مهمة سرية للغاية. كيف يمكننا أن نفعل الأمر؟» وظلت تعمل حتى وقت متأخر من الليل لتنجز الأعمال الورقية. كانت سافاما قد أخبرتها بأنه إن كان بوسعها أن تجهز عقدا بسرعة، فيمكن استخدامه لاقتراض أموال لتمويل العملية. تذكرت تجيوكر: «في غضون يومين كنا قد جهزنا العقد، وكل الأعمال الورقية، وأمكننا توقيع العقد مع عبد القادر بحيث كان سيحصل على المال في غضون أسبوع.» ثم أردفت: «كان يعمل بحسب موعد نهائي؛ لأنه كان يوجد الكثير جدا من المخطوطات التي كان يتعين نقلها.»
صفحه نامشخص